احمد حاجی صادقیان
كانت الحرب اليمنية؛ منذ البداية، أحد مجالات المنافسة “الإماراتية-السعودية”. وقد اقترنت هذه المنافسات بموجة من التذبذب؛ ويبدو أننا في وسط واحدة من هذه المراحل، حيث بلغت المنافسات ذروتها.
اختلاف “الإمارات” و”السعودية”..
يُعتبر تحالف “الرياض-أبوظبي” لمكافحة موجة الثورات العربية؛ هو بلا شك أقوى التحالفات السياسية والميدانية المعاصرة في الشرق الأوسط، وقد تأسس للقيام بهدف مشترك هو المواجهة ضد صعود التيار الإسلامية للسلطة في العالم الإسلامي.
وقد فشل هذا التقاطع من المصالح الكبرى في القضاء على النظرة التشاؤمية للطرفين تجاه الآخر؛ حيث يرى كل طرف في الآخر تهديدًا أمنيًا، إلا ان مزايا المواجهة ضد “الإخوان المسلمين” أجبرت الطرفين على هذا التعاون.
ويُعتبر الملف اليمني هو المشروع الرئيس لذلك التحالف. ومما لا شك فيه زاد هذا الملف من تسّارع وتيرة ظهور الخلافات بين البلدين.
والهدف الأول هو قمع الإسلاميين؛ ثم تثبّيت الحضور طويل الأمد في سواحل شبه الجزيرة الجنوبية. وكلا الهدفين يتعارض مع السياسات السعودية في “اليمن”. والإسلاميون في “اليمن”؛ الذين انتظموا في قالب حزب (الإصلاح) ويمارسون أنشطة سياسية وميدانية، وكانت لهم سوابق جيدة في العلاقات مع “السعودية”، من أهم حلفاء “آل سعود” ضد (أنصار الله).
وعلى السواحل أيضًا لم تكن “السعودية” على استعداد للشراكة مع “أبوظبي” في المزايا الهامة للساحل بـ”البحر الأحمر” و”خليج عدن”.
من جهة أخرى، لم تكن “الإمارات” وحدها تهدف إلى إقصاء أو قمع (أنصار الله)؛ في الشمال اليمني، ولكن كانت تعتبرها فرصة وجود أداة ضغط أمني على الحدود الجنوبية السعودية.
العدو الإخواني..
كانت مواجهة الإسلاميين على جدول أعمال القوات الإماراتية منذ بداية الوجود في “اليمن”، واستفادت “أبوظبي” من كل الإمكانيات المتاحة للوصول إلى هذا الهدف.
وطوال فترة مشاركة “الإمارات” في الحرب اليمنية، صدرت التقارير عن حالات متعددة من تورط “الإمارات” في استهداف القوات الموالية لـ”الإخوان”؛ الذين كانوا بالواقع حلفاء لـ”السعودية”؛ في مواجهة (أنصار الله)، وقد تأكدت هذه المسألة في بيانات “الإمارات” بمناسبة إنتهاء المشاركة الرسمية في الحرب اليمنية.
كذلك كانت السيطرة على السواحل اليمنية من الاستراتيجيات الإماراتية الأخرى الرئيسة، وسّعت بتشكيل القوات الجنوبية في شكل المجلس الانتقال والفصائل العسكرية التابعة؛ مثل قوات (الحزام الأمني) وقوات (العمالقة) إلى ضمان حصة أكبر من غنيمة الحرب اليمنية.
وفي هذا الإطار؛ كانت “أبوظبي” تتابع المشروع الأكبر، والذي يقتضي تثبّيت الوجود العسكري والاقتصادي في “خليج عدن” والسواحل الشرقية بـ”البحر الأحمر”؛ في إطار المنافسة مع الشقيق الأكبر في شبه الجزيرة العربية.
تلك السياسة التي لم تكن بمنأى عن أعين “الرياض”؛ التي سّعت للمواجهة ضد طموحات “أبوظبي” التوسّعية. ويمكننا اعتبار تأسيس “الإمارات”؛ لـ”المجلس الانتقالي” عام 2017م، كخطوة عملية باتجاه تقسيم جنوب “اليمن”، ذروة الخلافات بين الرفيقين في الملف اليمني.
ورغم تماهي “السعودية” مع “الإمارات”؛ فيما يخص فرض عقوبات على “قطر” وموقف جزء من هيكل “الإخوان المسلمين” في “اليمن”؛ المعارض بقوة للإجراء السعودية، أفضى إلى انقسام بين قيادات حزب (الإصلاح).
وقررت “السعودية” معارضة “الإخوان المسلمين”؛ في “اليمن”، كرد فعل على موقف الجماعة من “أبوظبي”، لكن “الرياض” رفضت التماهي مع فكرة تقسّيم جنوب “اليمن”؛ بمعنى توطين “الإمارات” على الحدود الجنوبية السعودية.
مسّار غير مكتمل..
في العام 2019م؛ وبالتوازي مع سيطرة حلفاء “الإمارات” على مدينة “عدن” وطرد حزب (الإصلاح)، كانت “السعودية” تقبل قمع “الإمارات” على معارضة صعود “الإخوان” في “اليمن” مجددًا، ولكن لم تقبل مطلقًا بتقسيم الجنوب.
ومع إعلان الخروج الإماراتي الرسمي من الحرب اليمنية عام 2020م؛ كان المتوقع أن تنحسّر الخلافات بين البلدين، فيما يخص هذا الملف، لكن إصرار حلفاء “الإمارات” داخل “المجلس الانتقالي” على المُضي قدمًا في مشروع تقسّيم الجنوب اليمني، كان يُشكل تهديدًا للمصالح السعودية. ومع إقصاء “عبدربه منصور هادي”؛ عام 2022م، والقضاء على تهديد الإسلاميين، اتجهت “الرياض” إلى القضاء على التهديد التالي وهو الانفصاليين الأمر الذي زاد من وتيرة التوتر بين “الرياض” و”أبوظبي”. وسّعت “الرياض” إلى تهديد القوة الميدانية الإماراتية في الجنوب، بدورها حاولت “الإمارات” إحباط الاستراتيجية السعودية.
استمرار اللعبة !
رغم ما يبدو أن “الإمارات” تخلت عن اللعبة في “اليمن” لصالح “السعودية”، إلا أن “أبوظبي” تعتزم الاستفادة من الإمكانيات الأميركية لتدعيم وجودها في شرق “اليمن”.
وقد ازداد خلال الأشهر الأخيرة؛ نشاط (القاعدة)؛ جنوب “اليمن” وتحديدًا محافظة “أبين”، بالتوازي مع الإشاعات عن تأسيس قاعدة عسكرية دائمة للقوات الأميركية في محافظة “حضر موت”؛ شرقي “اليمن”.
ومنذ بداية الحرب اليمنية ترافق الوجود العسكري الأميركي في البلاد مع القوات الإماراتية، وانتشرت تقارير متعددة عن استقرار وحدات عسكرية أميركية مختلفة في القواعد الأساسية للقوات الإماراتية شرقي “اليمن”.
وتأسيس قاعدة عسكرية أميركية يتعارض والمصالح السعودية، ويقوض مبادرة “الرياض” على إدارة هذا الملف، ويمنح “الإمارات”؛ في المقابل، إمكانية توطيد وجودها العسكري والأمني شرق “اليمن”.