في جلسة نقاشية بـ”المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية”، تطرق “أحمد حاجي صدقيان”؛ مدير وحدة الدراسات اليمنية في مركز أبحاث (مرصاد)، إلى هجمات (أنصار الله) اليمنية على “الإمارات”، وكذلك تصريحات المتحدث باسم القوات الجوية اليمنية؛ بشأن تنفيذ عمليات (طوفان اليمن)؛ باعتبارها رد فعل طبيعي على الاعتداءات الإماراتية.
ولتحليل أسباب هذه الهجمات، يتعين علينا دراسة وقائع الملف اليمني بشكل كامل…
كانت “الإمارات” قد أعلنت؛ في العام 2020م، الانسحاب من “اليمن” بشكل رسمي، ورغم أن هذا الخبر لم يقترن بالانسحاب الفعلي، لكن “الإمارات” كانت حريصة على تقليص مساحة الدخول المباشر، وعدم المشاركة المباشرة في العمليات ضد (أنصار الله)، مع استمرار التواجد في مناطق مثل “مطار المكلا”، و”جزيرة ميون” في “باب المندب”، و”ميناء بلحاف” وحتى “جزر حنيش” في “البحر الأحمر”.
بالإضافة إلى استمرار نشاط القوات المدعومة إماراتيًا في “اليمن”، مثل (قوات العمالقة) في الساحل الغربي، وقوات “المجلس الانتقالي” الجنوبي.
ومع التطورات في مدينة “عدن”، أعلنت “أبوظبي” خفض مستوى دعم قوات “المجلس الانتقالي” نسبيًا، بحيث تحولت (العمالقة) إلى القوة الأساسية لـ”الإمارات” في هذه المدينة.
تقدم “أنصار الله” إلى مأرب..
وقبل ثلاثة أشهر انصب اهتمام (أنصار الله) على مدينة “مأرب” الإستراتيجية واتخذت كافة الإجراءات لحصار هذه المدينة، وسعت بقطع كل الطرق وتقييد إمكانية وصول “التحالف العربي” للمدينة، إلى الوصول إلى اتفاق مع القبائل؛ وبالتالي تخفيف ضغط التحالف على القبائل، بحيث يسهل الوصول.
وأحرزت (أنصار الله) تقدمًا من خلال هجمات مختلفة على غرار ما حدث في محافظة “البيضاء”، ونجحت من هناك في دخول محافظة “شبوة” و”محور البيحان”؛ وسيطرت على مرتفعات هذه المنطقة، مع التقدم حتى “منطقة غيسلان”، بحيث يتسنى لـ (أنصار الله) تحرير مدينة “مأرب” من “التحالف العربي” عبر المسار الجنوبي.
وبالتوازي مع تقدم (أنصار الله) في مرتفعات “البلق”، غرب مدينة “مأرب”، سيطرت على ارتفاعات “البلق” الشرقية واستكمال حصار مدينة “مأرب” بشكل عملي.
مع كل هذا التقدم؛ كان لـ (أنصار الله) اليد الطولى على الميدان، وارتفعت إمكانية تحرك القبائل خلال الأشهر المقبلة للتفاهم والاتفاق مع (أنصار الله) مع استمرار الحصار. الأمر الذي أزعج “السعودية”، وقررت التعاون مع “الإمارات”؛ بعد فشل قواتها بالوكالة ميدانيًا.
عودة الإمارات..
وبالتالي كان على “الإمارات” أن تُعيد مجددًا قواتها بالوكالة إلى الحرب. وقبل شهرين؛ سحبت “الإمارات” عدد أربع كتائب من (قوات العمالقة) في الساحل الغربي و”ميناء الحديدة”، وصولًا إلى مدينة “الحيس”، ونقلت هذه القوات إلى محافظة “شبوة”، على أمل تقويض شكل الموازنة التي تبلورت في “اليمن”. وتورطت هذه الكتائب الأربعة في العمليات وأجبرت (أنصار الله) على التراجع.
ويبدو في ضوء الأوضاع الراهنة أن (أنصار الله) لا تعتزم دخول المناطق الجنوبية اليمنية، وإنما تفضل تثبيت وتدعيم سيطرتها على المناطق الشمالية. لذلك لم تقاوم الحركة بشكل كبير إزاء تقدم “الإمارات” في مناطق “بيهان” و”عيسلان”، وسعت إلى تدعيم مواقعها في الأقسام الجنوبية.
تغيير معادلات الميدان..
واتسمت تحذيرات (أنصار الله) في هذه المرحلة بالجدية الشديدة. في غضون ذلك، وردت أنباء عن أن قصف الطائرات الإماراتية منطقة “البلق” الإستراتيجية. وحين رأت (أنصار الله) تغيير معادلات الميدان بشكل خطير، قررت مهاجمة “الإمارات” بعد عدد من التحذيرات المتكررة.
وبالنظر إلى نموذج التعامل الإماراتي على مدى السنوات الماضية، بدا أننا سوف نشهد انحسار للتوتر وتكرار عملية الانسحاب من “اليمن”؛ وتخفيف التواجد الميداني. وهذه المسألة قد تدفع إلى تنفيذ سياسات (أنصار الله)؛ في مواجهة الاعتداءات السعودية.
في غضون ذلك، لطالما شعرت “السعودية” بالضيق، وبالتالي اتجهت للضغط الإنساني على الشعب اليمني وتشديد الحصار مجددًا والحيلولة دون دخول سفن المواد الغذائية والوقود.
وباعتراف منظمة “الأمم المتحدة”، تعيش “اليمن” أكبر كارثة بشرية، ومع هذا تتغاضى جميع منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية وغير الحكومية عن هذه الكوارث بسبب تدفق الأموال السعودية (!)وللأسف تزداد أوضاع الشعب اليمني سوءً في حين لا يصدر أي صوت عن هذه المنظمات والمؤسسات. ووفق الإحصائيات يحتاج: 20% من الكتلة السكانية اليمنية، أي ما يُعادل حوالي: 05 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية فورية.
والأمر يستدعي ضرورة كسر الحصار وتغيير معادلات الحرب في “اليمن”، لكن الأمل معدوم في المنظمات الدولية والغربية التي كانت درع “آل سعود” خلال هذه السنوات.