بسم الله الرحمن الرحیم
«رؤية 2030» أو «رؤية المملكة العربية السعودية 2030» هي وثيقة أعدّها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة الأمير محمد بن سلمان ومشاركة حوالي 20 وزير سعودي، حيث تم الإعلان عنها في 25 نيسان من العام 2016 .
مقدمه
«رؤية 2030» أو «رؤية المملكة العربية السعودية 2030» هي وثيقة أعدّها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة الأمير محمد بن سلمان ومشاركة حوالي 20 وزير سعودي، حيث تم الإعلان عنها في 25 نيسان من العام 2016 .
تضمنت هذه الوثيقة التي توصف بخطة طريق التنمية الإقتصادية والإجتماعية والسياسية السعودية، على مجموعة من الخطط الطموحة و الواسعة النطاق من قبل ابن سلمان، لتعزيز دور السعودية و أداءها في كل من المجالات الداخلية و الخارجية، وفي مختلف المجالات الإقتصادية و السياسية و الأمنية والإجتماعية-الثقافية. خطة إذا تحققت، ستُخرج المملكة العربية السعودية من طراز دول الشرق الأوسط، لتضعها في أسرة الإقتصادات العالمية المتقدمة.
ترافق هذه الوثيقة على ضمیمتین ، أولهما “برنامج التحول الوطني 2020” والثاني “برنامج تحقيق التوازن المالي 2020”. تم تعريف هذين البرنامجين على أنهما الخطوات الأولية للإنتقال إلى التحول في العام 2030. الأهداف المحددة في هاتين الخطتين هي في الواقع مجموعة من الأهداف الإقتصادية والإجتماعية، بما في ذلك مجموعة من الأهداف الإقتصادية مثل: إلغاء المساعدة المالية و دعم الكهرباء والماء للطبقة الغنية، تطبيق الإصلاحات الإقتصادية، تنویع الموارد المالیة، التحرر من النفط و دعم الصادرات غير النفطية، تطوير الخصخصة و تقليل دور الحكومة في الشؤون الإقتصادية، وكذلك مجموعة من الأهداف الإجتماعية مثل تمكين المرأة من التجارة و حماية حقوقها بهدف تحسين الصورة السياسية للسعودية في خارج البلاد، والحد من الضغوط و الإنتقادات المحلية تجاه انتهاكات حقوق المرأة، و كذلك تطوير التعليم العام والتعليم العالي في محاولة لطرد التيارات السلفية التي تهيمن على وزارة التعليم السعودي.
بالإنتقال من هذه المسألة، تركز رؤية 2030 بدورها أيضاً على المجالين الإقتصادي و الثقافي الإجتماعي. وبنظرة عامة فإن بعض هذه الأهداف عبارة عن:
- بناء أكثر من 420 نادي ترفيهي ( بحلول عام 2020).
- رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من (22%) إلى (30%).
- تطوير التعليم العام و التعليم العالي.
- تدريب 500 ألف موظف حكومي عن بعد (حتى عام 2020 = وثيقة التحول الوطني) .
- رفع نسبة تملّك الأسر للمساكن بأكثر من 5% (حتى عام 2020 = وثيقة التحول الوطني).
- خفض معدل البطالة من 11.6% الحالي إلى 7% (بحلول عام 2020 = وثيقة التحول الوطني).
- زيادة الطاقة الاستيعابية لاستقبال ضيوف الرحمن المعتمرين من (8) ملايين إلى (30) مليون معتمر.
- صنيف (3) مدن سعودية بين أفضل (100) مدينة في العالم.
- زيادة متوسط العمر المتوقع من (74) إلى (80) عاما.
- تأسيس صندوق الإستثمار السيادي بمبلغ 2.5 تريليون دولار (10% من القدرة الاستثمارية في العالم، و 3% من الأصول العالمية).
- التحرر من النفط حتى عام 2020 و زيادة الإيرادات غير النفطية بمعدل 267 مليار دولار سنوياً.
- تحويل السعودية إلى الإقتصاد الخامس عشر في العالم (من المرتبة 19 في الوقت الحالي).
- زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي من 3.8% حاليا إلى 5.7%.1.
- رفع نسبة الصادرات غير النفطية من (16%) إلى (50%)على الأقل من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي.
- تخفيض معدل البطالة من (11.6%) إلى (7%).
- طرح أقل من 5% من سهام شركة النفط الوطنية أرامكو (يتوقع تقييم أرامكو إجمالاً بأكثر من تريليوني دولار).
- مشروع الطاقات المتجددة بمعدل 10 آلاف ميغابايت.
- تطوير الحكومكة الألكترونية
- البدء بالصناعة العسكرية السعودية عن طريق إنشاء شركة قابضة للصناعات العسكرية مملوكة بالكامل للحكومة تطرح لاحقا في السوق السعودي.
- مكافحة الفساد
- تطبيق نظام البطاقة الخضراء خلال خمس سنوات من أجل تحسين مناخ الاستثمار.
الأهداف الحقيقية لابن سلمان و ثنائية السياسة-الدين
على الرغم من أنّ محمد بن سلمان هو مهندس هذه الوثيقة و منفذها، إلّا أنه قام في مقابلة مع قناة العربية بتلخيص الأهداف النهائية لهذه الرؤية في ثلاثة فقرات؛ تنويع مصادر الدخل، وتقليل الإعتماد على عائدات النفط، وخلق أجواء ثقافية و ترفيهية مفتوحة، ومع ذلك كان يجب ذكر الأهداف الحقيقية و الأساسية لابن سلمان بما هو أبعد من الأهداف الثلاثة المذكورة، و أخذ الأهداف الثلاثة التي ذكرها على أنها مجرد أهداف وسيطة بهدف تمهید الأرضية لمزيد من الأهداف.
بمعنى آخر وأبعد من مسألة الإصلاحات الإقتصادية لتعزيز مصادر دخل البلاد، ينبغي ذكر الأهداف الأكثر أهمية التي يسعى ابن سلمان وراءها من خلال هذه الوثيقة، وهي تحسين صورته على المستوى المحلي والإقليمي والدولي بعنوان منادي للإعتدال و التجدد، هي واحدة من تلك الأهداف. في هذا الصدد، وبعد زيارته الرياض وصف مراسل الأمم المتحدة للفقر و حقوق الإنسان فيليب إلستون وثيقة 2030 على أنها قفزة في سياق تطبيق حقوق المرأة وحل مشكلة الفقر، والتي ستجعل المرأة أكثر إنتاجية و استقلالية. كذلك في ظروف تم ذكرها في العديد من التقارير الدولية و العالمية أن السعودية هي مصدر تغذية الإرهاب و انتهاكات حقوق الإنسان على المستوى الإقليمي و الدولي، و حتى قانون جاستا الذي أُقر مؤخراً في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أظهر للمملكة العربية السعودية وجهاً جديداً على الساحة الإقليمية و الدولية، على أنها تحمل راية الإعتدال و مكافحة الإرهاب، وهو الهدف الثاني الذي حاول ابن سلمان تحقيقه من خلال رؤية 2030. كان تحقيق المزيد من التوافق مع مطالب المنظمات الدولية في مجال حقوق الإنسان، و الجهود المبذولة للتخفيف من ضغوط منظمات حقوق الإنسان هو الهدف الثالث الذي يسعى ابن سلمان لتحقيقه عبر رؤية 2030.
اکبر من هذا، فإن تعزيز مكانته كالرجل الأول في السعودية، و تنحيته لابن عمه محمد بن نايف و منافسه الوحيد للوصول إلى العرش، هو الهدف الأكثر أهمية الذي شجّع ابن سلمان على تصميم و تنفيذ هذه الوثيقة. القضية التي أدت في النهاية إلى نجاحه على الأقل في تنحية بن نايف عن ولاية العهد و تولّي هذا المنصب.
رغم ذلک وفي مجتمع أحد أقطاب سلطته بيد مؤسسات دينية مثل المدرسة الوهابية، فإن تحقيق بعض الأهداف مثل تطوير التعليم العالي الحديث في مواجهة النظام التعليمي القائم على تعاليم محمد بن عبدالوهاب، وإنشاء مراكز استجمام وترفيه مثل دور السينما و الحفلات الموسيقية، و كذلك إعطاء حقوق اجتماعية واسعة للمرأة هو نوع من المشي في حقل ألغام، و ابن سلمان نفسه يدرك ذلك جيداً. فی النهایة معارضة المؤسسة الرسمية للدين مع بعض تلك الفقرات في هذه الوثيقة، لا يضع أمام ابن سلمان أكثر من طريقين. إما أن يتخلى عن الأهداف غير الإقتصادية في وثيقة 2030 والإكتفاء بالمجالات الإقتصادية حيث أن حساسية المفتيين وعلماء الوهابية أقل تجاهها، أو الإنخراط في علاقة تفاعل أو مواجهة مع المؤسسة الدينية الرسمية، وأبناء آل الشيخ الأقوياء وتلاميذه و المؤسسات القوية التي لا تحصى.
ومع ذلك يرى ابن سلمان أن صعود نجمه في سماء السلطة السعودية، و ضمان بقاء مكانته يرتبط إلى حدّ كبير في نجاحه بتطبيق وثيقة 2030، و من هنا ابن سلمان ليس مستعد لأي سبب من الأسباب أن يتخلى عن مشروعه الطموح.
من جهة أخرى،، خاصة في ظل تصاعد نجم الحركات الجهادية السلفية داخل البلاد، فإن تماشي المؤسسة الدينية الرسمية في المملكة العربية السعودية مع هذه الوثيقة، سيؤدي إلى افتضاح و تهمیش هذه المؤسسة بين أوساط المتدينين والمؤمنين بتعاليم ابن عبدالوهاب، و حتى التیارات الأخرى المناهضة للغرب في السعودية. على وجه الخصوص، مسألة الترفيه العام في إطار السينما و الحفلات الموسيقية وموضوع الحريات المتعلقة بالمرأة ليست بالشىء الذي يمكن التغاضي عنه. إنّ صدى الموسيقى الغربية بالقرب من منازل الشيوخ الموالين لابن عبدالوهاب و صمته حيال ذلك، والأسوء من ذلك تماشيه مع ذلك، سيضاعف من فضيحة علماء البلاط السعودي.
على الرغم من أنّ الكلمة الأخيرة و فصل الخطاب في المجال السياسي كانت دائماً لآل سعود، وعشيرة آل الشيخ كانت دائماً تنكفيء في هذا الصدد، لكنّ الأمر مختلف هذه المرة. من المتوقع حتى في حال تماشى القائمون على القراءة الرسمية للدين في المملكة العربية السعودية مع هذا الأمر من باب الطمع أو الخوف، أو حتی علی أساس الصمت السلبي، فإن بعض الشخصيات الدينية السعودية التي تصنّف على أنها من ضمن علماء البلاط، أن يقوموا ضد هذه السياسات، ويعارضوا بشكل علني وثيقة 2030 وشخصية ابن سلمان. في الحقيقة، ترمي أهداف هذه الوثيقة بوضوح إلى “الأمن الوجودي” لتعاليم و قيم مدرسة ابن عبدالوهاب و أنصاره والداعين إليه، وبالتالي فإن الصمت تجاهها سيهدد بشكل مباشر هوية و وجود هذه الطبقة الطبقة. من المتوقع أن تتجاوز التبعات والنتائج السلبية لهذه الوثيقة حتى تبعات التطورات التي حدثت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011 (حيث طلبت الولايات المتحدة من الرياض تعديل بعض المناهج الدراسية والبدء بمشروع إرسال الطلاب إلى الغرب).
كما أشير فإنه بالنسبة للمؤسسة الدينية الرسمية في السعودية، فإن الحيّز الإقتصادي و التحديث الإقتصادي بشكل عام، لم ولن يكون مسألة أساسية وهامة طالما لا توجد له عواقب واضحة ضد الدين. إن أكثر ما يثير مخاوفهم هو الأهداف المطروحة في مجال الثقافة و الترفيه و التعليم. إن معظم ردود الأفعال حتى الآن قد حدثت في هذه المجالات.
من بين هذه الإنتقادات غير المباشرة، وإن كانت باهتة، للجنة العلمية لكبار العلماء وشخص عبد العزيز آل الشيخ تجاه تأسيس السينما، و إقامة الحفلات الموسيقية و الرقص، هو بداية لظهور المواجهة النسبية بشكل علني بين المؤسسة الدينية الرسمية و المؤسسة السياسية الرسمية. وصف عبدالعزيز أل الشيخ في خطبة له الحفلات الموسيقية و السينما سبباص للفساد، و أبدى قلقه من استيراد السينما الفاسقة و الإباحية و الإلحادية من الغرب، والتي تعمل على تغيير الثقافة المحلية. كما دعا «عبدالله المطلق» وهو من أعضاء هذه الهيئة، إلى لفت انتباه بعض العلماء وأئمة الجمعة إلى إصدار تراخيص الحفلات الموسيقية وتأسيس سينما في البلاد وإعادة النظر فيها. في الوقت نفسه، سعت اللجنة في وقت واحد للخروج من الثغرات السلبية، وأبعد من النقد اللفظي، قدمت وثيقة بديلة تركز على فتح باب الحوار مع جميع الطبقات الإجتماعية، من أجل احتواء ردات الفعل السلبية على وثيقة بن سلمان 2030.
ومع ذلك فإن الإشارات المتباينة و علامات الإختلاف و الاصطكاك الناتجة عن طموح ابن سلمان في إطار وثيقة 2030 بين المؤسستين الرسميتين الدينية و السياسية، يمكن مشاهدتها في حالات مثل انتقاد بعض العلماء صراحة لهذه الوثيقة، الإنتقاد الصريح من قبل بعض السياسيين السعوديين من العلماء التقليديين المعارضين للوثيقة، اعتقال بعض العلماء المنتقدين (مثل عبدالعزيز الطريفي و عصام العويد)، و غياب بعض علماء الهيئة الكبار عن اجتماعات هذه الهيئة (مثل غياب الشيخ صالح اللحيدان، و هو من كبار علماء الهيئة بعد ثلاثة عقود من حضوره المستمر في اجتماعات الهيئة)، تقليص صلاحيات الشرطة الدينية، وفي النهاية تشديد موجة التهديدات الإعلامية ضد العلماء التقليديين من قبل وسائل الإعلام التابعة للبلاط السعودي.
يدرك بن سلمان جيداً عدم امتثال بعض العلماء التابعين للمؤسسة الدينية الرسمية لطموحاته، و يعرف أن بعضهم قد يلتف سريعاً إلى معسكر بن نايف و هذا ما يشكل كابوساً مريراً لتطلعات بن سلمان الطموحة. لذلك وأثناء محاولة طرده لابن نايف من جميع المناصب، استخدم مجموعة من الأسالیب المختلفة في التعامل مع علماء البلاط السعودي، للحصول على أقصى دعم ممكن، و في الوقت نفسه لجم أو قمع التمرد و الاعتراض المحتمل في هذه المؤسسة.
استراتيجيات بن سلمان لاحتواء المعارضة المحتملة لوثيقة 2030
تتمثل استراتيجية ابن سلمان الأول في وضع المؤسسة الدينية الرسمية ضد الطيف الواسع و الكبير للمجتمع السعودي، يعني النساء و الشباب و منوری الفکر. فهو يسعى من خلال التركيز على المجالات الثقافية و الترفيهية والتعليمية و المساواة بين الجنسين، لتعبئة هذه المجموعات الثلاثة القوية في المجتمع السعودي في صفه، للقيام بلجم مزدوج ضد العلماء المعارضين و أبناء العمومة المنافسين. فهو يسعى من خلال هذا الاستقطاب والمواجهة، وضع العلماء الوهابيين الأقوياء المعارضين لهذه الوثيقة، وجها لوجه مع شريحة كبيرة من المجتمع، ووضعهم أمام الرأي العام كعنصر رجعي ومعارض للتقدم والتنمية في البلاد، وتحميلهم وزر تخلف البلاد. لذلك وفي مقابلة مع «ترکي الدخيل» مقدم قناة العربية وردّاً على سؤال ماذا تقصد بالترفيه، ودون الدخول في مضمون و طبيعة التعريف، و مع شرح طبيعة الترفيه، فقد قدّمه كمضمون إقتصادي ومصدر للدخل حيث قال«الترفيه هو أحد مصادر الدخل و مستوى المعيشة الأفضل يعتمد على الترفيه الجيد.»
في هذا الصدد، أطلق بن سلمان ونفّذ أيضاً المشاريع التالية بغرض تطبيق مشاريع الترفيه في البلاد:
- زيارة شركة «ديزني لاند» الأمريكية و طلب نقل خبرات هذه الشركة إلى أمراء الوهابية السعوديين
- إنشاء الهيئة العامة للترفيه
- تفعيل الشركات الأمريكية المتخصصة في شؤون الترفيه مثل شركة تايم و …
- انطلاق عمليات بناء أكبر مدينة ألعاب و ملاهي في العالم على بعد 334 كم جنوب غرب الرياض حتى عام 2022.
- استثمار 800 مليون دولار سعودي في قطاع السياحة حتى عام 2020.
- منح رخصة تأسيس مراكز تخصصية لرياضة النساء في المملكة العربية السعودية لأول مرة في تاريخ هذا البلد
- السعي لزيادة النساء العاملات إلى 30%
الاستراتيجية الثاني لابن سلمان تركز على تشديد الهجوم الإعلامي ضد الشيوخ التقليديين و المعارضين. في هذه الأيام تصف عشرات وسائل الإعلام الحكومية و الهامة في المملكة العلماء المعارضين لهذه الوثيقة، والمعارضين للسينما و الحفلات الموسيقية بعبارات مثل المتشددين، الإرهابيين، الرجعيين والخائنين، وتضييق الخناق الإعلامي ضدهم.
التطميع و الدعم المالي للشيوخ التقليديين و أئمة الجمعة و الجماعة، بهدف تماشيهم مع أهداف الوثيقة هي الاستراتيجية الثالثة لابن سلمان في هذا الخصوص.
التخطيط من أجل خلق انقسامات بين العلماء التقليديين ، وفي الوقت نفسه محاولة جذبهم وموافقتهم على مشاريعه من خلال كلمة مفتاحية هي طاعة أولي الأمر، هي رابع استرتيجية لابن سلمان في هذا الخصوص. على سبيل المثال التأكيد الأسبوعي المتكرر للدكتور «أسامة خياط» إمام جمعة مكة القائم على ضرورة إطاعة ولي الأمر، و كذلك اللقاءات المستمرة لابن سلمان مع العلماء السعوديين الأكثر انفتاحاً و اعتدالاً، مثل محمد العريفي و الشيخ صالح بن عواد المغامسي كلها تمت لأجل هذا الهدف.
الدعم السياسي و الأمني والإعلامي للحركات الدينية المنشقة المعارضة لتعاليم الوهابية، هي الاستراتيجية الأخرى لابن سلمان بغرض تفعيل أهداف وثيقة 2030 و احتواء معارضة العلماء التقليديين الوهابيين في هذا البلد.
الأجواء الأمنية و الإعتقال و القمع الأمني للشخصيات المعارضة تحت ذریعة دعمهم للجماعات الإرهابية و التآمر ضد أمن البلاد، هي الاستراتيجية الخامسة لابن سلمان. على سبيل المثال اعتقال الشيخ عبد العزيز الطريفي و عصام العويد (اثنان من أبرز الشخصيات المعارضة في المملكة العربية السعودية) يجب أن تُفهم في هذا السياق. بعد فترة وجيزة من تأسيس هيئة الترفيه كتب الطريفي على حسابه على التويتر «يظن بعض الحكام أن تنازله عن بعض دينه إرضاء للكفار سيوقف ضغوطهمن و كلما نزل درجة دفعوه أخرى، الثبات واحد و الضغط واحد فغايتهم (حتى تتبع ملتهم)…». كذلك كتب العويد في منشور له على التويتر «أي قرار يعتقد أنه قد يغيّر عقيدة و هوية هذا البلد عن طريق فتح باب الفساد، هو دعوة للحرب و هو الخاسر الأكبر. أيّاً كان!!»
تم اعتقال كل منهما بعد عدة أيام فقط من نشر البوستات المذكورة، وأودعا السجن بتهمة دعم القاعدة و داعش. يأتي هذا بينما نرى بعنوان مثال أن العويد نفسه قد كتب رسائل في رفض تنظيم داعش و وصفهم بالخوارج.
الاستراتيجية السادسة لابن سلمان في هذا الصدد هي فرض الأجواء الأمنية على المجتمع، و تسليط الضوء على الخطر المزدوج للجهاديين و الشيعة في الداخل السعودي و المنطقة، بهدف إرعاب و تخويف علماء البلاط في البلاد وإسكاتهم على الأقل تجاه البرامج المثيرة للجدل لوثيقة رؤية 2030. تكثيف النشاط الجهادي لداعش والقاعدة، والاشتباكات المتعددة بينها و بين قوات الأمن السعودية و مقتل عشرات الأشخاص و اعتقال المئات من الأشخاص في ذروة الجدل حول هذه الوثيقة، إصدار أفلام تنظيم داعش التي يهدد فيها باغتيال علماء الوهابية السعوديين، إثارة التوترات في المناطق الشيعية و اغتيال بعض النخب الشيعية في محافظات العوامية بدعوى اعتقال الخلايا الإرهابية التابعة لحزب الله و إيران داخل الأراضي السعودية، و إبراز الخطر الإيراني، و إذكاء موجات التخويف بإيران و ما یسمی بالإرهاب الشيعي و معاداة الفارسية، حتى لو كانت متعمدة و بقصد تخويف و إثارة حفيظة أنصار آل الشيخ و أتباع تعاليم جده ابن الوهاب، فلا شك أن النتيجة لكل هذا تصب في سياق المساعدة على تحقيق أهداف و خطط بن سلمان. بطبيعة الحال، و بالنظر إلى الخلفية التاريخية في العقود القليلة الماضية، فإن معظم علماء البلاط السعوديين وأمام مفترق طرق المحافظة على الروح وحفظ الإيمان سيختارون الأمر الأول. إن تصريحات اللواء منصور التركي، الناطق بلسان وزارة الداخلية السعودية فيما يتعلق بتهديدات داعش ضد العلماء السعوديين، تظهر بوضوح أن القادة السياسيين في المملكة العربية السعودية، يستغلون هذا التهديد لإرضاء هؤلاء العلماء تجاه البرامج و السياسات المتخذة من قبل حكومة المملكة. بينما قال التركي أنه ينبغي أخذ هذه التهديدات على محمل الجد، إلا أن قوات الأمن لا تستطيع حماية جميع الأشخاص المهددين و المحافظة عليهم.
السيناريوهات التي تواجه العلاقة بين المؤسستين الرسميتين للدين و السياسة في المملكة العربية السعودية
على هذا يمكن وباختصار وصف ثلاثة سيناريوهات مطروحة أمام العلاقة بين المؤسستين الرسميتين للدين و السياسة في المملكة العربية السعودية.
السيناريو الأول هو التقارب والتماهي الكامل و المطلق بين مؤسسة الدين و المؤسسة السياسية، مما سيؤدي بلا شك إلى إضعاف المؤسسة الدينية في السعودية نظراً للتعارض العلني و الواضح للأهداف الثقافية و الإجتماعية لها مع تعاليم الوهابية. و هذا الأمر غير محتمل.
السيناريو الثاني يمكن اعتبار أنه الإختلاف والمواجهة التامة بين المؤسسة الدينية الرسمية و المؤسسة السياسية، والذي على الرغم من أنه من غير المرجح أن يحدث، ولكن مع فرض حدوثه فإنه سيؤدي إلى إضعافه و تآكل المؤسستين في الوقت نفسه. .
إن حدوث فجوة بين المؤسستين الرسميتين للدين و السياسة في السعودية هو السيناريو الثالث، الذي سيؤدي إلى تماشي قسم كبير من علماء السعودية، و معارضة أقلية من العلماء البارزين مع هذه الوثيقة و سياسات ابن سلمان، و ستؤدي إلى إضعاف المؤسسة الدينية وتعزيز مكانة المؤسسة السياسية و دورها المؤثر . هذا السيناريو هو الأكثر احتمالاً للعلاقات بين الطرفين. كما اتضح سابقاً فإن الخاسر الأساسي (والوحيد أحياناً) في جميع الحالات، هو المؤسسة الدينية الرسمية في البلاد. السيناريو الثالث يزيد من احتمال انضمام بعض علماء البلاط إلى جماعة الأخوان المسلمين أو حتى التيارات الجهادية.
بشكل عام يمكن التنبؤ بدورة التغييرات التي نتجت عن سياسات بن سلمان من خلال تنفيذ وثيقة 2030 على النحو التالي:
إن إجراءات ابن سلمان و جهوده من الأعلى للأسفل و الإجباري أحياناً من أجل التحديث الإقتصادي و السياسي في البلاد، سيفتح الباب أمام خلق و تعميق أزمة الهوية والصراع السياسي- الإیدئولوجی في البلاد. أزمة الهوية هذه بدورها والصراع المذكور، سيمهد الطريق لتعزيز حركة التجدد في البلاد و استبداد العلمانية. استبداد العلمانية و قمع الإسلاميين و المناهج الإسلامية، سوف يزيد الشرخ بين المؤسستين الرسميتين للدين و السياسة في البلاد، مما يؤدي إلى تقوية الحركات الأخوانية و الجهادية، وفي نهاية المطاف إضعاف مؤسستي السلطة و السياسة في المملكة العربية السعودية. إن كسر مثل هذا التوازن في المجتمع السعودي الهش للغاية، وتعزيز الحركات السياسية الإسلامية (بما في ذلك الأخوان و الجهاديون) يمكن أن يزيد من دائرة انعدام الأمن و الإغتيال في المملكة العربية السعودية.
إن فرض طموحات وآمال ابن سلمان بشكل متسرع و إجباري وغير مدروس، على مجتمع متدين بعمق وملتزم بالتقاليد، يمكن أن يزلزل أسس حكم آل سعود، و فی نفس الوقت يضعف من هيمنة المدرسة الوهابية في هذا البلد لصالح الخطاب الآخر المنافس لها. جهادیا او علمانیا!