رؤوس أموال راكدة و أصدقاء قلیلو الفائدة
قبل وصول الکلام الی محله، يجب الحديث قليلاً حول مشروع «النهضة الشيعية». الفرضية الأكثر بساطة هي أن نقول أن في خلفية أفكار القائمين على هذا المشروع نفس الشيء الذي يقوم الأمريكيون بتصويره الآن.[1] وهذه هي النقطة التي قد أشار إليها بولاك: الإستفادة من النمو المالي الحاصل من الاتفاق النووي من أجل تطوير عمليات المناهضة للمحور السعودي.[2]
لكن هل حلفاء إيران الحاليين في هذا الصراع هم خيارات جيدة؟ يوجد العديد من الأدلة التي تقول لا وأن استقرار هذا الإتحاد سيكون منخفضاً. فنحن في صنعاء سنكون أمام حكومة تشهد منافسة داخلية بين أنصار الله وصالح. كذلك إذا كان من المفترض لتلك الحكومة أن تقوم بعمل آخر غير إعادة إعمار أنقاض الحرب وحل الشؤون الداخلية فإنها تحتاج إلى مساعدتنا لها بالمليارات.[3] أقصى الأحلام الممكنة للحالة اليمنية هي النموذج اللبناني. دولة هيكلها السياسي ناتج عن علاقات أنصار الله، الحراك، قوات صالح والسنّة الموالون للسعودية، والتي بإمكان أنصار الله فيها أن يعملوا معنا في نفس الإتجاه. لكن يجب مشاهدة الفروقات. فحزب الله تحت مظلة محاربة عنصر مكروه من شرق العالم الاسلامي حتى غربه قد استطاع بصعوبة أن يثبّت شرعيته كقوة شبه عسكرية مستقلة عن الحكومة. في المقابل إذا أراد أنصار الله الحرب ضد مصالح المملكة العربية السعودية فإنهم يكونون قد استهدفوا مباشرة مصالح أحد الأطراف القوية في الحكومة المقبلة. إن سلاح أنصار الله لم ولن يلاقي أبداً تجاهلاً من قبل الحكومة اليمنية. لذلك فإن نموذج حزب الله لا يمكن تطبيقه في اليمن. كما أنّ مثل هذه الظروف موجودة نوعاً ما في العراق. دون أي تغيير أساسي في الظروف فإن الحرب الداخلية للعراقيين ستمتد لسنوات متمادية. كما أن العراق يعاني الآن من أزمة في الميزانية وفساد حكومي على نطاق واسع. كما أن نطاق الخلافات محتدمة أيضا حتى داخل البيت الشيعي وآخر مثال على ذلك شاهدناه في مظاهرات البصرة. فالضعف المفرط للجيش العراقي بعد 25 مليار دولار أنفقتها أمريكا فقط على تدريبه[4] سيحول دون إمكانية الإعتماد على العراق في المشاريع الكبيرة.
لكن الأهم من كل هذا سيكون صمود الأسد في هذه الحلقة. إن الإستثمار الضخم في شخص واحد كان دائماً أمراً خطير. كما أن الأسد الأب قد ذهب أبعد في مفاوضات السلام في أوسلو إلى حافة تطبيع العلاقات مع اسرائيل. الحالة المعقولة الأكثر تفاؤلاً والتي يمكن تصوّرها لسورية هو أن يدعنا بشار أحرار في التواصل مع حزب الله، أما أن يريد القيام بعمل جدّي من أجل تحرير الجولان أو أن يهدد أمن اسرائيل مع الأخذ بعين الإعتبار النفوذ الذي تملكه روسيا وأنها غير مستعدة للقبول بمخاطرة مثل زوال اسرائيل يبدو أمراً مستبعداً. المفارقة أنه بعد كل هذا الدعم الإيراني فهاهي صور بوتين تُرفع من قبل الناس والحكومة إلى جانب بشار الأسد وها هي روسيا بإمكانياتها الإعلامية الضخمة تظهر نفسها بعنوان بطلة محاربة الإرهاب و المنقذة للشعب السوري والمنطقة.
يبدو أن استراتيجية استثمارنا قد تركزت على «شراء العربة» بدل «إنتاج القاطرة»؛ لتأتي بعناصر غير إيديولوجية خلفك بشرط أن تحصل على ما یلزم من قوة دافعة وفي الوقت نفسه يخففون من سرعتكم. إن مخلوقات شبيهة بالقذافي و مسعود وبشير وعلي أف قد اختبرنا حظنا معهم. فالأول أخذ منا رأس مال عظيم بعظمة الإمام موسى الصدر ثم عاد ليتماشى مع أمريكا. أما الثاني فلم يبق على قيد الحياة طويلاً ليثبت وفاءه لكن من خَلفوه اليوم في أفغانستان لا یظهر منهم أی ود. والثالث بغمزة من السعوديين خرّب كل شيء. والرابع الذي وصل بمساعدتنا إلى السلطة لكنه جلس على مائدة الصهاينة.
بالطبع لسنا بصدد أن نغض الطرف تماما عن التقدّم الحاصل حتی الآن وإمكانية تكراره ثانية، كما كنا قد وصلنا في 7 أشهر الماضية إلى حالات جيدة.[5] لكنّ الحديث هو عن تقدير مخاطر الطريق الذي يُقطع حاليا وسناريوهات أخری خطيرة ولكنها ممكنة.
عناوين خاطئة، السيسي، عباس، صالح
نعود إلى الداخل. لم يستطع التيار الليبرالي في الداخل أن لا يُظهر اهتماماً بالضجة التي تحدث خارج حدودنا الغربية. حتى أنه من وجهة نظر هؤلاء أیضا لا يمكن فصل الملف النووي عن ملف «السعودية». إذا كان طيف من الموالين للنظام يرى الإتفاق النووي عبارة عن فرصة فإنه مائدة سماوية بالنسبة لليبراليين الإيرانيين.
من أجل المحافظة على هذه المائدة يتم السعي من خلال مدح وتضخيم إنجازات المؤسسات الثورية في الملفات الإقليمية وربط ذلك بالإتفاق ومن ثم تخدير منافسيهم الدائمين والتخفيف من استيائهم من التعامل مع أمريكا.[6]
هذا التيار الداخلي الذي من خلال تصویر السعوديين على أنهم وحش والأمريكيين أحبابا ووضع المجموعات الجهادية إلى جانب السعوديين سیسعی أن یسوّق العلاقات الأمريکية علی أنه بعد فتح باب الصداقة بین إیران وأمريکا لن تعود الأخیر فتنظر إلى السعودية على أنها الحلف الإقليمي الرئيسي وبالطبع فإن إزاحة السعوديين من الطريق لن تكون بالأمر الصعب.[7] بالمناسبة إذا أردنا أن نحارب داعش والقاعدة والمجموعات الإرهابية بشكل أفضل فإنه من الأفضل أن نتعاون مع أمريكا لأن لدينا هدف مشترك!
كما أن الأمريكيين من جهة أخرى يأملون أن يتمكنوا بالإستفادة من هذه الفرصة فتح باب التفاوض والتعاون مع إيران في مواضيع أخرى غير الموضوع النووي ليذهبوا ابعد في طريق نفوذهم في إيران من خلال ذلك. فإن الحركة الليبرالية الداخلية تسعى لإظهار عناوين خاطئة في داخل البلاد والهدف منها إلغاء الطابع الإيديولوجي بشكل أكبر من السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
مثال على هذه العمليات النفسية مقال بعنوان «لماذا لا تفكر القاهرة بالتحالف مع طهران؟» وهو ترجمة لمقال لعمرو عبد السميع في الأهرام – جريدة حكومية مصرية – حيث يريد المقال إظهار الرغبة الشديدة لدى النخب العلمانية ومؤيدي السيسي من أجل التقارب مع إيران.[8] حتی هذه النقطة ليس هناك مشكلة كبيرة على ما يبدو، لكن عندما نراجع أصل المقال[9] فإنك ستدرك حجم الكارثة. حتى أنه ليس هناك حاجة لقراءة النص ومجرد الإنتباه إلى عنوان المقال يعني «الإختراق الإیراني المستمر» سوف يظهر حسن نية المترجم!!
هناك حالات أكثر بكثير من ذلك. نفس هذا الموقع الإنترنتي قبل فترة ليست بالبعيدة كان يتحدث بمنتهى الحماسة عن امتناع إيران عن قبول خالد مشعل،[10] حيث حاول أن يضخ جوّاً إيجابياً ثقيلاً فيما يخص دعوة محمود عباس لزيارة طهران.[11] في نفس تلك الأيام انتشر مقال آخر بعنوان «هل سیفجئ الجمیع محمود عباس في طهران؟» في عدة مواقع إصلاحية حيث يتحدث بلهجة تلميحية عن تغيير النظرة الإيرانية إلى موضوع فلسطين.[12] ومع ذلك فقد اتضح فيما بعد أن مثل هذه الدعوة غير موجودة[13] وإذا كانت موجودة فقد تم إيقافها من رأس النظام.
ومن الانصاف أن نعترف أن هناك قسم واسع داخل المؤسسات الثورية أيضاً يوافق هذه النظرة.
إن همسات ترجيح «العلمانية السنية» على «الإسلاميين» يُسمع في كل مكان كما أن له الكثير من المؤيدين بين مسؤولي النظام الرفيعين. اليوم في مكاتب وسائل إعلام المحافظين أصبح «عبد الباري عطوان» -قومي عربي مؤيد للسيسي- بديلاً عن أشخاص مثل « فهمي الهويدي». ربما قبل عشر سنوات لم يكن قابلاً للتصديق أن نسمع من داخل معسكر «الثوريین» الإيرانيين صوت إعادة العلاقات مع مصر السيسي و تقدير تأييده اللفظي لبشار الأسد، ومن جهة أخرى تحوّل عبدالله صالح فجأة من شخصية مكروهة إلى شخصية ایجابية و حالات من هذا القبيل في شمال أفريقيا و تركيا. كما أن الصوفية على ما يبدو اتُّخذوا مهمين من قبل صانعي القرار. هذا الأمر يمكن أن يكون ناتجاً عن السطحية في معرفة مكونات الفكر الشيعي والذي أدّى إلى أن البعض يريد أن يمحو بقعة السلفية بمنديل الصوفية .
حتى ولو كان ممكناً تبرير المحافظة على الإستثمارات السابقة فإنه لا يمكن تبرير استثمارات جديدة في هذا النطاق . فالإستثمار على الأسد و الشلبي أو علي اف حتى لو كان بالإمكان إضفاء صبغة شيعية عليه فإن هذا القلم الجديد لن يكون بالإمكان محوه بأي شكل من الأشكال. هذا التوسع يمكن أن يؤدي إلى القضاء على الشرعية الداخلية للجمهورية الإسلامية و التشكيك فيها. «التشدد الديني» في الداخل و«الإباحية» في الخارج يمكن أن تشكل جرحة ستفتح فمها في المحاورات بين الثوريين و الليبراليين الداخليين. ثانياً إذا كان لدينا- على الأقل على المدى الطويل- برنامج لإزالة اسرائيل و انتبهنا إلى نقطة مهمة، أنه لا يمكننا أن نطبق ذلك بدون تعاون الفلسطينيين «الإسلامیین»، فإن مثل تلك الإستثمارات سوف لن تترك مكاناً للثقة.
الديناميات الداخلية للسعودية
من أجل الوصول إلى استراتيجيات جديدة تجاه الملف السعودي فمن الضروري أن نلقي نظرة على الوضع السعودي. بشكل عام فإننا في البنية الإجتماعية السعودية أمام 4 كتل للقوة: آل سعود، الليبراليين، المؤسسة الوهابية والإسلاميين. يمكن اعتبار آل سعود مساوين للسلطة. فجميع مفاصل القوة تدور بين يدي هذه العائلة. إن هرم توزيع السلطلة بين أبناء هذه العائلة واسع وممتد والآراء متفرقة للغاية لذلك شهدنا دائماً صراعات داخلية معقدة وأحياناً عنيفة مثل قتل فيصل على يد أحد الأمراء. الطريف هنا أن الأزمات الطارئة عادة ما تكون سبباً لزيادة الخلافات داخل العائلة وليس التحالف ضدها.[14] بعد اهتزاز قاعدة وراثة الحکم، أي خلافة الإبن الأكبر لعبد العزيز بن سعود فإن أكثر شيء يحدد عامل ولاية العهد اليوم سيكون الكفاءة السياسية. المؤشر الأول لهذه الكفاءة هو النمو الإقتصادي- الذي يستفيد منه جميع الأمراء-، والمؤشر الثاني هو تعزيز النفوذ الإقليمي للسعودية. إن جزر آل سعود قد أصبحت كثيرة وصغارا لدرجة أنه جعل من الصعب الاستفراد السياسي من قبل كل واحد من وحدات القوة هذه. فكل تحرّك سياسي يحتاج إلى تماشي جزء كبير من وحدات القوة تلك أو على الأقل إسكات الأخرين.
في الفترة التي رفع فيها بن لادن راية المواجهة ضد الحكومة السعودية فقد جعل هدفه الأشقاء «السديريين» – والمهم منهم: فهد، سلطان، وفي المرحلة اللاحقة نايف، سلمان وأحمد – بسبب العلاقة الخاصة التي تربطهم بأمريكا. وفي المقابل فقد كانت علاقة الإسلاميين السعوديين في ذلك الوقت إيجابية مع عبدالله – ولي العهد آنذاك. لا ينبغي أن نتعجب في أن ساد هدوء نسبي العلاقات بين إيران والسعودية في فترة حکمه. لقد قاد اثنان من السديريين قبل و بعد عبدالله – فهد و سلمان – السعودية إلى حافة الحرب مع إيران.
آخر صراع داخلي كبير بين آل سعود هو نزاع أخوين سديريين، أو بعبارة أدق أبناء هذين الإثنين. فمحمد بن سلمان و محمد بن نايف يشهدان الآن صراعاً خفياً للجلوس على العرش. تم تعيين بن سلمان بمناورة من أبيه الملك كولي لولي العهد- يعني بين نايف- ومن المتوقع في أي لحظة أن يصبح ولياً للعهد؛ ولو لم تكن المناورة موجودة أيضاً فإن بن نايف ليس لديه ولد ذكر من أجل إزاحة بن سلمان.
هذه ليست سوى أحدث جولة من الصراع. في كلا المرحلتين عند موت فهد و عبدالله كان هناك مجموعة من الأمراء المغبونين لكنهم وقفوا جانباً منتظرين. إن تحالف السديريين الكبار- فهد و سلطان- الذين كانوا القوة المهيمنة في الفترة الأولى و انسحبوا بتدبير من عبدالله لم تزل أطماعهم بالسلطة ساخنة لم تبرد. فقد تمّ إعفاء كل من خالد بن سلطان- وزير الدفاع السابق- في عام 2013 بذريعة الهزيمة أمام أنصار الله والتعامل العسكري مع الصينيين ، وبندر بن سلطان –رئيس جهاز المخابرات- في عام 2014 بذريعة سوء إدارة الحرب في سورية. بالطبع تم التمهيد لإخراجه من السلطة منذ عام 2011 مع موت والده. كذلك استطاع محمد بن فهد حتى عام 2013 المحافظة على اللقمة الدسمة لإمارة المنطقة الشرقية حيث أعطى مكانه لسعود بن نايف. أحمد الذي هو أصغر أمير سديري والذي كان ينتظر في وزارة الداخلية على أمل ولاية العهد أعطى مكانه في عام 2012 لمحمد بن نايف. قام عبدالله في آخر ضربة وجهها للسديريين من خلال إعطاء ولاية العهد لأصغر أمراء الجيل الثاني و أقربهم إليه، مقرن بن عبد العزيز، بوضع مجموعة كبار السديريين جانباً. بعد موت عبدالله كان أول عمل قام به سلمان إلغاء مقرن من قائمة انتظار المُلك ليعين بدلاص عنه واحد من مجموعة السديريين الصغار وهو بن نايف. إن إزاحة من تبقى من مجموعة عبدالله خاصة متعب بن عبدالله الذي يتولى رئاسة الحرس الوطني يحتمل أن يكون هو البرنامج المقبل. وبهذه الطريقة فإن ثلاثة أجهزة سيادية في السلطة أول جهاز يعني وزارة الدفاع بيد بن سلمان و جهازين آخرين يعني وزارة الداخلية و الحرس الوطني سيتم الإستيلاء عليها من قبل مجموعة سلمان.
من الوجهة النظرية لو استطاع عبدالله إقامة علاقة متوازنة مع الكتل الثلاثة الليبرالية و الوهابية و الإسلامية وقام بإخماد فهد وبن نايف بكتلة الليبراليين، لأنام سلمان معظم رؤوس أمواله في العقود الأخيرة في حساب الوهابيين و ولكان له رأي في الإسلاميين. فسلمان في منصب إمارة الرياض، مقر ملك السعودية، كان شخصية رئيسية في مساعدة المجاهدين الأفغان و الأخوان. كما أن الأمريكيين لا يخفون أنهم قلقون من تقاربه من المتطرفين الدينيين.
لا شك أن بن نايف هو أكثر شخصية محبوبة بين الأمريكيين وهم يعدون الأيام لعهد ملکه.[15] فهو ذلك الشخص الذي استطاع كسر شبكات القاعدة داخل السعودية و إجبارها على الهرب نحو اليمن. فالقاعدة في اليمن هي في الواقع بقايا لشبكة القاعدة القوية في شبه الجزيرة العربية والتي تعتبر من أنقى الفصائل من حيث عداءها لأمريكا و آل سعود. مع ذلك فإن حرب اليمن اليوم التي تدار بشكل كامل من قبل بن سلمان- قد أدت إلى أن تدخل القاعدة أيضاً دائرة الصراع ضد أنصار الله. لا يملك بن سلمان فرصة تذكر لتثبيت سلطته. يجب على هذا الشاب ذو 30 عام أن يُظهر لياقته قبل وفاة والده ذو الثمانين عام وإلا فإن العدد الكبير من الأمراء الغاضبين من ولاية عهده الشاذة عن القاعدة سيطيح به . هذا الموضوع هو ما يبرر سرعته في التعامل مع مختلف الملفات. بالطبع فإن منافسيه أيضاً لم يجلسوا مكتوفي الأيدي وقد بدأوا حركة محسوبة من أجل خلع سلمان وابنه. أهم علامات هذه الحركة انتشار رسالة بدون اسم من أحد الأمراء السعوديين في جريدة الغارديان فضحت الوضع الداخلي السعودي المتردي بسبب الإدارة المتهورة لمحمد بن سلمان و رغبة عدد كبير من الأمراء للتحالف ضده.[16] إن كارثة منى وسقوط الرافعة في المسجد الحرام يمكن تحليلها في هذا السياق أيضاً. على الرغم من أنه لا يمكن الحديث بشكل مؤكد عن الطرف الذي تسبب بوقوع فاجعة منى إلا أن الإمكانيات الإستخباراتية- العملياتية و دوافع جناح بن نايف من أجل التحضير لهذه الفاجعة هو المرجح أكثر. تشير الأدلة إلى أنه قبل موسم الحج قد وقعت عمليات إرهابية مختلفة في داخل السعودية حيث اعتبروا أن بن نايف هو الموجّه لها من وراء الكواليس.[17]
يقوم بن سلمان الآن من أجل تنفيذ مشاريعه الإقليمية بسرعة باستمداد العون من الإسلاميين. التماشي مع حزب الإصلاح الأخواني في اليمن في الحرب ضد أنصار الله، دعوة القرضاوي من أجل القدوم إلى السعودية، اللقاء مع مشعل و أدلة كثيرة أخرى جميعها علامات على تغيّر الإستراتيجية السعودية من قبل بن سلمان. هذا التعاون يحصل فقط في المواضيع المفضلة لدى المؤسسة الوهابية وهو يعود بطريقة ما إلى موضوع المواجهة مع الشيعة وإيران. مؤشر آخر على الحركة السعودية الأكثر استقلالية بالنسبة للولايات المتحدة هي العلاقة الجديدة مع الروس و قد أُشير إلى قسم منها بشكل أكبر. تعود خلفيات هذا الإستقلال النسبي لفترة عبدالله مع اقتراب تحقق الإتفاق النووي ومع تراجع أمريكا عن قصف مواقع الأسد التي تشكلت بعد ضجة استخدام السلاح الكيميائي. بعد موت عبدالله أيضاً حمل غياب سلمان عن اجتماع القادة العرب في واشنطن أول رسالة سلبية للبيت الابيض. من المحتمل أن سلمان قلق من تراجع أمريكا عن الدعم المباشر للسعودية و بشكل عام تأجيل ملفات الشرق الأوسط و استراتيجية «التوجه نحو أسيا» بین الديمقراطيين أكثر من أي شيء آخر. خاصة أن ظاهرة النفط الصخري قد جعلت الدور السعودي يضمحل بوضوح كضامن لاستقرار سوق النفط لأمريكا. إن تراجع أسعار النفط على أثر هذه الظاهرة قد فتح الباب على أزمة إقتصادية في السعودية الآن. أزمة أصبحت أكثر جدية مع أخذ 50 مليار دولار من احتياطي 1000 مليار دولار من العملة الصعبة من اجل إنفاقها على حرب اليمن. إن المجتمع السعودي لا يتحمل أبداً توتر الضغط الإقتصادي. عنصر الدين فقط هو ما يستطيع ملء فراغ القوة المالية لآل سعود. عندما يتهاوى دخل النفط السعودي من 108 دولار في 1981 إلى 15 دولار في عام 1987 قد أفرزت هذا الجو الديني الناتج عن حرب أفغانستان و الحرب ضد إيران الشيعية للتخفيف من الضغط على السلطة.
لا بد أن سلمان قد وصل إلى هذه القناعة وهو أنه يجب أن يعتمد على نفسه من أجل بقاء حكمه وحكم ولده. إذا كانت الحكومة السعودية قد نجت من تسونامي الصحوة الإسلامية في عام 2011 فإن الفضل في ذلك يعود إلى 130 مليار دولار للإنفاق العام. لا يبدو أن مثل هذه المكرمة ستتكرر في المدى القريب. في هذه الأجواء فإن بقاء السعوديين سيكون مرتبطاً بسبعة عوامل.
الف) توازن القوى بين الأجنحة داخل آل سعود:
كما قلنا سابقاً فإن هذا الخلل في توازن القوى قد بدأ مع أزمة انتقال السلطة إلى الجيل التالي و رغبة ابن سلمان باحتكار السلطة بعنوان شخصية لا تحظى بالقبول و سجلها المعروف. لكن في حال انتقال السلطة بشكل آمن إلى بن نايف باعتباره أول أمير من الجيل الجديد بالتزامن مع 4 أوراق في يده المتمثلة بدعم أمريكا، التاريخ الناجح، السيطرة الأمنية و القبول بين معظم الأجنحة سيوصل هذا التوازن إلى وضع الإستقرار.
ب) التوازن بين المعارضة الإسلامية و الليبرالية: عدم وجود تقدير لما سيحل بهذين العنصرين بعد تغير السلطة السعودية سيقلل من دوافعهما من أجل تحمّل كلفة التمرد. لقد دخل هذان الجناحان في كلا موجتي الإعتراض ضد آل سعود- يعني في عام 1991 و 2011- بشكل مستقل عن بعضهما. في المرحلة الأولى أظهر الإسلاميون نشاطا أكبر، إضافة إلى المرتين السابقتين فقد قاما بتسجيل عرائض لاجتماعات احتجاجية واسعة. لكن في المرة الثانية لم يكن هناك أي اختلاف فرق ملموس بين عمل الجناحين و اكتفى الإثنان بجمع التواقيع و إصدار البيانات. على الرغم من أن الديمقراطية والحريات المدنية هي القدر المشترك الذي يطالب به الطرفين لكن في مكان مثل السعودية فإن التغييرات الراديكالية في السياسة الخارجية- خاصة تجاه أمريكا- تبدو أهم من الديمقراطية المحضة و حرية التعبير. لذلك يمكن أن نفهم أن الليبراليين السعوديين يرون آل سعود أحسن من السعودية الأخوانية. من وجهة نظر الإسلاميين فإن صعود الليبراليين إلى السلطة سيؤدي إلى الإسراع في علمنة الحكومة و الإقتراب أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية.
ج) تعزيز القوى الأمنية: تمتلك السعودية واحد من أقوى أنظمة الأمن الداخلي. إضافة إلى التأمين المالي المناسب ، وجود قسم مهم يتجاوز المائة من أمراء الجيل الثالث من آل سعود داخل هذا النظام الأمني، الوفاء الكبير الذي يبديه هذا النظام للسلطة السعودية هو السبب في تلك القوة. بغض النظر عن ذلك فإن اختيار قوات من بين القبائل التي تعتبر متحالفة بشكل تقليدي مع آل سعود كانت السبب في قوة هذا الجهاز الأمني. لقد استفاد السعوديون بشكل جيد من نموذج مؤسسات الأمن الموازية وهذا ما أدى إلى تدنّي خطر الإنقلابات أو التخريب من طرف واحد بواسطة كل جهاز على حدة. إن إيجاد مطبات أمنية بواسطة توريط هذا النظام بأزمات اضطهاد يمكن أن يؤدي إلى توفير الأرضية المناسبة لانهيار هذا النظام.
د)ارتباط الإسلاميين بالمؤسسات الحكومية:
عشرات الآلاف من الناشطين الأخوان السعوديين موظفون في مؤسسات تعليمية و دعوية و تنموية كبيرة فهم غير مستعدين للقيام بأي عصيان سياسي غير محسوب النتائج. يبدو انه على عكس جميع الدول الخليجية فإن أخوان السعودية لا يمتلكون إمكانية التنظيم بشكل مستقل عن الحكومة ولم يستطيعوا أن يخلقوا لأنفسهم هامشاً أمنياً في الإقتصاد السعودي.
ه) تهديد العدو الأجنبي:
إكسير الشفاء الناجع الذي تعلّم السعوديون وصفته منذ عهد عبد الناصر هو تسليط الضوء على وجود العدو الأجنبي. هذا العدو الموحد إذا كان في فترة الستينات ممثلاً بعبد الناصر فإنه منذ الثمانينات قد تحول إلى إيران الشيعية. لا ننسى أن محاربة التشيع لم تكن أبداً هاجسا لدى آل سعود والوهابية. على العكس فأحد الخلافات الدائمة بين مؤسسات الوهابية و آل سعود بسبب طريقة التعامل مع الشيعة في المنطقة الشرقية. في مثل هذه الظروف لا ينبغي تجاهل التعامل الناعم لقادة المنطقة الشرقية مثل «حسن الصفار» و كذلك التيار الشيرازي مع آل سعود. في الحقيقة أول حرب داخلية لعبد العزيز بن سعود (مؤسس السعودية الحالية) مع حركة نجدية متطرفة وعلى الرغم من أنها كانت تعتبر في البداية أهم القوى العسكرية المتحالفة معه إلا أنه تم استئصالهم على يد عبدالعزيز بسبب إصرارهم على إبادة الشيعة. بعد الثورة أيضاً وبالرغم من وجود أجواء مناهضة للشيعة فقد استطاع آل سعود بالإستعانة بالعنف والبذل والعطاء إقناع الحركات الشيعية في المناطق الشرقية بالبقاء صامتة.
و)دعم جهاز الوهابية:
إذا كان دعم شيوخ الوهابية لا يمتلك تأثيراً إيجابياً ممكناً فإنه من الممكن أن يعتبر سلباً تحدّياً مهماً لآل سعود. فآل سعود دون الدعم الأمريكي المستميت و الموارد المالية الضخمة سيحتاجون كثيرص لاستمرار دعم الشيوخ. هذا الدعم قد أضعف النسيج الديني للمجتمع السعودي في دعم الإسلاميين. إن تردد المفتي السابق، بن باز، في إدانة الحركة الإحتجاجية للإسلاميين في عام 1991 كان يعتبر تحدّياً كبيراص لآل سعود. اليوم وعلى الرغم من أنه لا يوجد اليوم شخصية لها كاريزما بن باز بين علماء السعودية إلا أن المواقف السلبية لأشخاص مثل صالح الفوزان يمكن أن يكون سبباً هاماً في تسهيل التعبئة الإجتماعية لدى الإسلاميين.
و)استمرار التحالف مع الشركاء الإقليميين:
بدون وجود المصادر المالية الكافية من أجل توفير احتياجات المرتبطين بالسعودية في مصر و باكستان واليمن والسودان، فإن وجود أرضيات لتحالف السعودية مع دول أكثر استقلالية مثل الإمارات، الكويت والأردن في التنافس مع المحور القطري- التركي و محاربة المحور الإيراني. سيكون هاماً. هذا في الوقت الذي تمتلك فيه المجموعات الثلاثة المذكورة خلفيات من أجل ظهور الإختلافات الجدية مع السعودية وفي الظروف الحالية للمنطقة یجب أخذها على محمل الجد. فالإمارات والأردن في حال تسارع التقارب بين آل سعود و مؤسسات الوهابية فإنها الشعور بالإستقطاب السياسي بالنسبة للسعودية سيزداد. كلا البلدين يرغبان بدعم و تنمية إسلام المصالحة و التساهل ولا يخفون أن الوهابية هي سبب نمو التطرف في المنطقة. مع ذلك فالكويت تمتلك تركيبة و سياسات أكثر تشابه مع السعودية و انفصالها عن التحالف مع السعودية سيكون أكثر صعوبة.
ومع ذلك فإن العملية الحالية للقطبين السعودية و إيران إضافة إلى الحلفاء الموجودين فإنها توفر الأرضية لنضج تحالف جديد على المستوى الأمني بين السعوديين واسرائيل. باستثناء اللقاءات غير الرسمية الدائمة مثل لقاء تركي بن فيصل و ليفني، أظهر السعوديون مؤخراً أن 5 لقاءات على أرفع المستويات قد تمت بين مسؤولي الطرفين الأمنيين. مع إعلان السعوديين لهذه العلاقات فإنهم لم يزيدوا الطين بلة. إن الإستطلاعات و الرصد العام للسعودية أظهر أن العداء مع إيران الآن يظهر أكثر من العداء مع اسرائيل واستمرار المسار الحالي يشي بتشديد هذا العداء وتهميش قضية اسرائيل.
ليس فقط السعودية بل الجو العام في العالم العربي يُظهر الإستعداد لقبول مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة وتطرف نتنياهو كان هو السبب الذي أوقف العملية حتى الآن. إن هذه النقلة النوعية مع إيجاد نجاح متصنع مثل الشيء الذي تم التخطيط له في أوسلو يمكن له أن يترسب بين الجماهير العربية أيضاً و إعادة بناء جبهة في جميع أنحاء العالم الإسلامي ضد اسرائيل هو أمر صعب للغاية. لا ننسى أن هذه النقلة التي تمت بواسطة غولن في تركيا و عبد الرحمن وحيد في أندونيسيا على المستوى العام قد استطاع أن يشق له مكاناً و يكسر إجماع الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي على أن الأولوية للقضية الفلسطينية.
تقدير الأخوان؛ الأخوة المخطئون
يكتبون التاريخ الجديد للتعامل الإيراني الأخواني عادة منذ حرب 33 يوم. أن نتساءل كيف وصلنا من شهر العسل عام 2006 إلى الخلاف الشدید عام 2015 یحتاج الی سنوات من البحث و التحلیل، لكن وبحسب الحاجة لابد من إلقاء نظرة على النظم السلوكي للأخوان من أجل القيام بعمل جدّي و جدید.
بالتأكيد لدى الأخوان ميول سلفية. إن شرح هذه النقطة لا يعتبر اكتشافاً كبيراً. الأخوان لديهم تعاون جدّي مع الغرب و السعوديين؛ وهذا أيضا ليس اكتشاف هام! في الحقيقة إن تسلّف الأخوان والعلاقات المذكورة موجودة منذ سنوات قبل أن توجد الجمهورية الإسلامية. كان بطل الإستعراضات السياسية للأخوان في أوروبا وأمريكا هو سعيد رمضان الذي كان ينشط منذ الستينات بدعم السعوديين ورابطة العالم الإسلامي. الرجل الذي كتب «وجاء دور المجوس» و أقنع هيئة كبار علماء السعودية أن يصدروا فتوى ضد الثورة الإيرانية حديثة الظهور- التي لم يصل منها بعد أي أذى لأي سنّي في العالم- كان أخوانياً؛ حتّی أكثر من أخواني بسيط! محمد سرور هو الشخص الذی باسمه یعرف الاخوان السعودیین، «السرورية».
واليوم أيضاً فإن القسم الأكبر من الإدارة السياسية للمعارضة التي تقف ضدنا في سورية بيد الأخوان وعن طيب خاطر يستخدمون الدولارات السعودية- القطرية والأسلحة الأمريكية من أجل قتل خيرة قواتنا و المنتسبین إلینا. هذه حقائق يعرفها الجميع بفضل وسائل إعلام مثل المشرق وفارس.
لكن الأخوان لایزالون يحملون خصائص هوية هامة و لو لم يكن اليوم فإنهم يستطيعون تغيير سلوكهم في الوقت المناسب. الأخوان بوضوح هم إيديولوجية أو تيار أكثر منه منظمة. نحن على الأقل نتحدث في هذه السطور حول تيار الأخوان وليس مجرد منظمة الأخوان. فإن القليلين بين هذا الطیف قد تضخمت تأثیرهم بشکل یعرف الأخوان باسمهم و مواقفهم. إضافة إلى ذلك فإن الأخوان لديهم شخصيات مختلفة أيضاً. شخصية الأخوان في النصوص الإنكليزية مختلفة عما هي عليه في النصوص العربية. مسلحوا الأخوان لديهم أدبيات مختلفة عن سياسيي الأخوان و قاداتهم ومع شيوخ الأخوان. كما أن أخوان أوروبا أيضاً يختلفون عن أخوان مصر والسعودية و سورية وباكستان و لهذه الأنواع الأربعة طعم مختلف عن بعضها البعض. بغض النظر عن هذا فإن هناك فجوة هامة يمكن مشاهدتها بين الجيل الجديد والجيل السابق من الأخوان. لذلك فإن اختيار من أين ندرس الأخوان سيكون أمراً صعباً. الشيء الضروري لهذا المقال أكثر من أي شيء آخر هو روايتنا عن النظم السلوكي للأخوان بالنسبة للسعودية. قد يكون من سوء حظنا أنه بين موجة الأخوان الذين اضطروا على أثر قمع ناصر لهم في مصر و حافظ الأسد في سورية في الستينات والسبعينيات للهرب إلى السعودية هناك شخص سوري كان يعرف القواعد أفضل من الآخرين. عبدالله عزام، محمد قطب ومحمد سرور زين العابدين من شخصيات الأخوان الأساسية الذين استطاعوا الظهور في سياق الترويج و التعميم في الداخل السعودي. الأول كان فلسطيني الأصل و قد أصبح شيخ المجاهدين الأعظم؛ و لم يظهر منه أية علامة تدل على محاربة الشيعة قط. الثاني أيضاً مثل أخيه و معظم الإسلاميين في مصر كان في معركة مع العلمانيين، كما أن الخلافات مع الشيعة لم يكن له مهم. لكن محمد سرور لم يكن متصالحاً مع الشيعة وكان يعمل بجد لقطع العلاقة والتواصل بين التشيع الثوري و التسنن الثوري. إن علاقة أخوان سورية الباردة مع الثورة الإسلامية بعد عدم مبالاة إيران بمجزرة حماه 1982 كان أمراً طبيعياً. على الرغم من أن المراقب العام للأخوان في سورية عصام العطار ألف کتاباً في دعم الثورة الاسلامية في إیران و جاء سعيد حوی إلى إيران والتقى الإمام الخميني و دعم الثورة الإسلامية بحرارة إلا أن صمت إيران تجاه مجزرة حماه قد أجيب عليه بكتاب حوّى الملوءة من اللعن في عام 1987. بالطبع أنه كيف كان محمد سرور على حد قوله قد بدأ قبل حوّى بعشر سنوات بكتابة كتاب لعنه ضد الشيعة هي من النقاط المظلمة. ربما كانت نزاعات مصطفى السباعي و علي الطنطاوي مع علماء الشيعة في الستينيات بسبب تدوين كتب مثل «أبو هريرة» للعلامة شرف الدين لم تكن بلا تأثير على تلك العداوة المبكرة. على أي حال فإن ذلك اللعن قد أصبح فيما بعد مفيداً لتقدّم محمد سرور بشكل أسرع على أقرانه في الأراضي السعودية. فالأخوان الذي كان متهماً دائماً من قبل الوهابية بإضعاف جانب العقيدة قد تحول بطبعة محمد سرور إلى أخواني امتزجت غيرته القطبية مع التطرف الديني الوهابي فأصبح مقبولا أكثر من النسخ الأخرى لدى الجسد الديني السعودي. نتيجة جهود محمد سرور الإتيان بمثلث عودة- حوالي- العمر الذين نكّدوا عيش آل سعود بجريمة دخول القوات الأمريكية إلى الأراضي السعودية في حرب الخليج و اشتهروا بشيوخ الصحوة.
إن من كانوا يعرفون تاريخ صراع الإسلاميين مع آل سعود لم يتعجبوا من وضع اسم الأخوان المسلمين على قائمة الإرهاب في السعودية في عام 2014. النقطة الهامة هي أن السعودية قد تعاونت فعلياً بكل ما تملك مع أخوان سوريا واليمن وأوروبا، حتى بعد سقوط حكومة الأخوان في مصر كان هناك مخاوف من تهديد الأخوان ضد وجود آل سعود. يمتلك الأخوان في السعودية حوالي 25 ألف عضو حيث بلغوا مع الأخذ بعين الإعتبار شبكة الصحوات معدل المائة ألف شخص وهذا یشکل قسماً صغیراً من الجسم الإجتماعي المتأثر بأفكار الأخوان- الصحوة. 30 بالمائة من مساجد السعودية بيد هذا التيار وقد أظهروا بوضوح أنهم يمتلكون أكبر قدرة على التعبئة على مستوى السعودية. خاصة أنه يوجد بين أعضاء هذه الحركة طبقة إجتماعية أعلى كما أن لهم نفوذ أكثر من بقية التيارات الأخرى في المراكز التعليمية (المدارس و الجامعات). هذا كله منفصل عن الجهاديين الذين يمتلكون علاقات جدية مع الأخوان كما أن الآلاف منهم قد تم جذبهم إلى داعش وهم يتحدثون بصراحة عن برامجهم من أجل إسقاط آل سعود وقسم صغير لكنه هام ينشط في إطار القاعدة في اليمن. إن شخصيات مثل عودة والعريفي و القرني من أكثر الشخصيات السعودية شعبية على شبكات التواصل ولديهم القدرة على تحريض المجتمع السعودي في الوقت المناسب.
لا شك أن أول سؤال يتبادر إلى أذهان الأشخاص الذين يتتبعون موقف الإسلاميين السعوديين تجاه قضايا سورية و اليمن و البحرين هو أنه مع كل هذا العداء لإيران و الشيعة كيف يمكن النظر إلى هذا التيار على أنه فرصة؟ من المحبط جداً أن شخصية في الصحوة مثل محسن العواجي أكبر عقدة لديه تجاه أمريكا أن يعرف أنها تحارب ضد مجاهديه في العراق أو أنه يخطّيء آل سعود بسبب منعهم تدفق الجهاديين السعوديين نحو سورية. مع هذا فإن 15 عام وقت طويل! استغرق 15 عام لنصل من حضيض العلاقة مع أهل السنة في أواخر الحرب إلى أوج 2005. في هذا المسير عانينا من مطبات كثيرة مثل سوء العلاقات مع طالبان والقاعدة و حكم جناح لا يرغب بالتقارب مع الإسلاميين، كل هذا لم يمنع من أن يكون أحمدي نجاد و نصر الله من أكثر الشخصيات شعبية في العالم العربي والإسلامي. فنفس سلمان العودة و عائض القرني الذين يعتبرون اليوم في زمرة المؤيدين لهجوم سلمان بن عبدالعزيز على اليمن قد أظهروا في عام 2006 مشهداً رائعاً من خلال دعوة «الوهابية» للسنّة من أجل مساعدة مجموعة «شيعية». مازال القرضاوي- حتى الآن- يتهمنا بقتل الأخوة و العدول عن دعوة الإمام الخميني و كذلك الإصطفاف مع الكفار الروس وليس الخروج من الأخوّة في الدين.
إن قسم هام من الغموض حول مطلوبية القوة الأخوانية في المنطقة ينبع من تجربة حكومة مرسي. فرئيس الجمهورية الذي كانت السعودية أول مقصد لزياراته الخارجية والذي دعم المعارضين في سورية، لم يكن مستعداً للمس بتفاهمات حكومات مصر السابقة مع اسرائيل بل كتب رسالة ودية لشمعون بيريز، ودمّر أنفاق غزة وأظهر طائفيته بشكل وقح في اجتماع طهران، واستمر بعلاقاته الحسنة مع أمريكا ومثل هذه الإتهامات التي سببه لنفسه.
بغض النظر عن أجوبة البعض التي يمكن تقديمها على تلك الحالات- من بينها الرسالة إلى بيريز و أنفاق سيناء- يجب الإنتباه إلى أنه ينبغي توقّع الأخوان من الأخوان! تخيل أن منظمة الأخوان قد استطاعت أن تصبح ممثلة للثورية السنية فإن تلك النظرة خاظئة منذ البداية وينتج عنها توقعات ليست في محلها. فالثورية السنية ليس لها تحقق إلا في الجهاديين وبحسب الظروف والإستراتيجيات يمكن أن تظهر على شكل الجهاد الإسلامي الفلسطينية، القاعدة أو داعش. فالأخوان حركة قد بنت هويتها على التغيير من الأسفل، التحول التدريجي، المشاركة السياسية بدل العنف، التعامل الإنتقادي مع أمريكا، المواجهة المسلحة ضد احتلال القوى الأجنبية للأراضي الإسلامية و الإلتزام بالحكومة المدنية مع مرجعية الإسلام. مع فهم أن العدول أكثر من اللازم عن عناصر الهوية هذه- اليوم وفي المستقبل- سيقضي على ذلك التميّز و تلك المزية، فالأخوان لا يستطيعون الخروج عن هذا الإطار بشكل كلي. فالأخوان في السلطة- خاصة إذا أخرجوا من الساحة المنافسين الليبراليين و السلفيين- سيضمن تحقق تلك الأصول.
بالإضافة إلى ذلك يجب أن نسأل أنه في حالة أدائنا نحن فهل سنعمل بهذا القدر من الدقة؟ ماذا نتوقع من دولة فيها عدة ملايين من العمال في السعودية والخليج و غير عشرات مليارات الدولار من الإستثمارات الخليجية والغربية فإنها تنتظر أكثر من 10 مليار دولار من المساعدات الأجنبية؟ كيف يمكن القبول بسهولة بدعايات واهية لليساريين مثل أحمد بهاء الدين ضد مرسي في حالات مثل الرسالة و الأنفاق. لكن لا يتم الإهتمام بإعدام مرسي بتهمة رسمية هي التجسس لصالح حماس واعتراف حماس والجهاد الإسلامي بحسن سياسات حكومة الأخوان؟ لماذا لا يتم الإهتمام بشغف الصهاينة الواضح بعد مجيء السيسي و الإطاحة بمرسي؟ يظهر أن سياسة مرسي كانت تأخير الملفات التي تولد حساسية. کان علیه أن يراعي السلة الكبرى لآراء أسلافه. في الوقت نفسه فقد تعلل مرسي كثيراً في الدخول إلى الملف السوري لدرجة أن خلافات الأخوان في مصر و سورية قد وصلت حدّاً غير مسبوق، وکان السوريون يهاجمونه بشكل علني بسبب صمته تجاه إيران. هذه أخطاء الأخوان التي لا تمحى لكن هل يوجد خيار آخر يمكن الإعتماد عليه؟
لا ننسى أن التجارب التاريخية التي مرّ بها الأخوان قد تسببت في مناهضتهم الشديدة للروس والمعسكر الشرقي وبشكل لاإرادي وبالرغم من المشكلة الإيديولوجية مع الغرب، فإن تلك التجارب أدت إلى ميلهم نحو الغرب وأمريكا. إن القمع الوحشي للأخوان من قبل ناصر في معسكر الشرق و منحهم اللجوء من قبل السعودية و أوروبا و مجزرة حماه و الضغط على الأخوان حتى أكثر من مصر في السبعينيات، الضغط الروسي الشديد على الإسلاميين والأخوان في القوقاز و آسيا الوسطى بعد انهيار الإتحاد السوفييتي، دعم روسيا للسيسي و ميله نحو روسيا والمعسكر الشرقي، وفي النهاية تحالف روسيا مع بشار الأسد هي حالات هامة في تلك التجارب التاريخية.
على الرغم من أن الأخوان لا يحبون أمريكا بسبب قضايا مختلفة مثل دعم أمريكا لاسرائيل، السادات ومبارك، مهاجمة العراق في حرب الخليج، احتلال أفغانستان والعراق، الضغوط الأمريكية على المجموعات الإسلامية من بينها في الجزائر والعقوبات الإقتصادية لبعض الدول الإسلامية. إن تكدّر علاقة الأخوان مع مخلّصتها في الستينات و داعمتها الوحيدة في الثمانينات بسبب تحالف السعوديين مع أمريكا في حرب الخليج ضد دولة مسلمة- على الرغم من أنها طاغية. ربما لو اكتفى السعوديون بتلقّي السلاح من الأمريكيين في هذه الحرب ولم تسمح لخمسمائة ألف عنصر كافر بدخول أرض الحرمين لما حدث ذلك النزاع الكبير الذي حدث لاحقاً بين الأخوان والسعودية والذي أدى إلى طرد الأخوان وأدى في مراحل إلى تعبئة عامة و مظاهرات واسعة.
إن القدرة التنظيمية العالية للأخوان في الضفة الغربية وحتى في أراضي 48 المحتلة إلى جانب النفوذ الكبير لدة المسلمين في الغرب والقدرة على إيجاد حركة إجتماعية فيهم، هي من النقاط الأخرى التي على الرغم من انه لا دخل لها بهذا الملف إلا أنها تنفع في الخطط بعيدة المدى للنظام الإسلامي.
إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تستطيع التوقف عن بذل الجهود المضاعفة من اجل بناء حليف قوي من الأخوان. مشكلة الأخوان الكبرى حاجتهم باتّجاه واحد للغرب و السعودية من أجل مواصلة الحياة. إن عملية إعادة الأخوان إلى خطوطهم الأصلية لن تستغرق وقتاً أطول من الوقت الذي استهلكوه للخروج عن هذه الخطوط. لكن من مقتضيات هذه العودة حسن التعامل مع واقع الأخوان الموجود.
الطريق الوحيد للتغيير المرغوب في التصرفات السعودية هو التعاون مع القوى الدينية المعارضة الذين يمتلكون الآن رأسمالاً اجتماعياً ضخمة، وهو في الوقت الحالي منحصر بالأخوان. علاقة النخب وخاصة على مستوى علماء الدين أو بعبارة أخرى تعزيز الديبلوماسية الدينية هو نهج مناسب من أجل استكمال هذه الإستراتيجية. لأن الدراسات قد أثبتت أن مواقف الكثير من العلماء كانت عادة تطابق الأصول ونادراً ما تنشأ عن مصالح سياسية أو اقتصادية.
[1] http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/the-regional-impact-of-additional-iranian-money
[2] http://www.thedailybeast.com/articles/2015/09/24/a-strategy-to-push-back-iran-in-syria.html
[3] http://www.foreignaffairs.com/articles/143225/alex-vatanka/irans-yemen-play
[4] http://www.aljazeera.com/news/2015/08/training-iraqi-military-barely-defend-150805114501323.html
[5] http://foreignpolicy.com/2015/04/14/yemen-iran-saudi-arabia-middle-east/
[6] http://www.jamnews.ir/detail/News/438388
[7] http://www.asriran.com/fa/news/چرا-عربستان-بحرین-امارات-و-علیه-ایران-گستاخی-میکنند
[8] http://www.irdiplomacy.ir/fa/page/چرا+قاهره+به+فکر+اتحاد+با+تهران+نیست؟.html
[9]http://www.ahram.org.eg/News/131685/11/442367/الاعمدة/الاختراق%E2%80%AD-%E2%80%ACالإيرانى%E2%80%AD-%E2%80%ACمستمر.aspx
[10] http://www.irdiplomacy.ir/fa/page/1950916/ایران+با+سفر+مشعل+به+تهران+مخالفت+کرد
[11]. راجعوا هنا:
http://www.irdiplomacy.ir/fa/page/1951079/تلاش+مضاعف+برای+سفر+عباس+به+ایران
و هنا:
http://www.irdiplomacy.ir/fa/page/1951134/ایران+به+زودی+در+فلسطین+سفیر+خواهد+داشت++
و هنا:
http://www.irdiplomacy.ir/fa/page/1950963/دستپاچگی+حماس+از+سفر+عباس+به+تهران
[12] http://www.aftabeyazd.ir/news.php?id=11195
[13] http://www.irdiplomacy.ir/fa/page/1951169/دلیل+کاهش+حمایت+مالی+ایران+از+مقاومت+چیست؟
[14] ” Succession in saudi Arabia”, Joseph A. Kechichian, Palgrave, p 142
[15] http://www.brookings.edu/research/essays/2015/the-prince-of-counterterrorism
[16] http://www.noonpost.net/الإصلاح-في-السعودية/أمير-سعودي-يرسل-نذيرًا-لآل-سعود-خوفًا-من-انهيار-المملكة
[17] بعد فاجعة منى انتشر خبر في وسائل الاعلام مفاده أن إغلاق نهاية الشارع يتعلق بمرور سيارة بن سلمان لتلصق الفاجعة به؛ ولكن المصدر غير معروف. لقد نسب الكثير من المحللون هذه التمثيلية لابن نايف. يبدو أنه وبالإستفادة من قواته وراء الكواليس قد قام بنشر هذا الخبر من أجل اتهام بن سلمان.