د. ایمان محمدی
وتحظى “حضرموت”؛ باعتبارها أكبر المحافظات اليمنية اتساعًا، وبسبب اتصالها بموانيء: “الشحر، والريان، والمكلا” الهامة في الجنوب، و”جمرك الوديعة” اليمني مع “السعودية” في الشمال، وكذلك مجاورة محافظة “المهرة” باعتبارها مسّار الاتصال مع دولة “عُمان” في الشرق ومحافظتي “شبوة” و”مأرب” النفطيتين في الغرب، بإمكانيات هائلة من حيث تجارة الترانزيت اليمنية.
كذلك فإن وجود “المسّيلة” النفطية؛ باعتبارها أحد أنشط ثلاث مناطق نفطية يمنية، يزيد من أهمية هذه “حضرموت”.
وقد أدت خصوصيات “حضرموت” إلى تنافس “السعودية والإمارات” على توسّيع دائرة النفوذ في هذه المحافظة؛ ولذلك فقد تابعنا طوال فترة هجوم التحالف بقيادة “السعودية”؛ على “اليمن”، بداية من العام 2015م، تطوير النفوذ الإماراتي في الموانيء الجنوبية مثل: “الريان، والمكلا”، والمناطق الصوفية في “حضرموت”، بالتوازي مع تدعيم الوجود السعودي في الصحاري الشمالية بالمحافظة والمناطق النفطية والموانيء القريبة من محافظة “المهرة” في جنوب وشرق “حضرموت”.
التحركات الميدانية..
لكن تحركات الأطراف الداخلية والإقليمية في هذه المحافظة؛ بعد تشكيل المجلس الرئاسي الجديد من شخصيات ذات نفوذ قوي معارضة لـ (أنصار الله)؛ أضافت شكلًا جديدًا لإعلان وقف إطلاق النار وتوقف القتال بين (أنصار الله) وقوات التحالف.
ميدانيًا؛ ازدادت تحركات “المجلس الانتقالي الجنوبي”؛ المحسّوب على “الإمارات”، والتي تهدف إلى تطوير نطاق النفوذ بالمحافظات الجنوبية، واستيلاء القوات الموالية لـ”المجلس الانتقالي” على محافظات “شبوة”، و”آبين”، وأجزاء من “حضرموت”، مع العمل على فرض السيطرة الكاملة على محافظتي: “حضرموت والمهرة”.
في المقابل نجحت “السعودية” بدعم “مجلس قبائل حضرموت”، وكذلك تشكيل وإيفاد قوات (درع الوطن)، من إسكات احتجاجات القوات الانتقالية المعروفة باسم: (هبة الحضرمي)، وإعادة المليشيات الموالية لـ”الإمارات” إلى مناطق تواجدها الأولى على سواحل محافظة “حضرموت”.
ولم تتوقف الإجراءات “السعودية” عند هذا الحد، وإنما حالت بخطوة محدودة دون تدخل وزير الطرق بحكومة “عدن” المحسّوب على “المجلس الانتقالي الجنوبي” فيما يخص “جمرك الوديعة” بين “اليمن” و”السعودية”.
كذلك ذكرت بعض المصادر أن “السعودية” قد وجهت باعتبارها راعي التحالف العسكري بـ”اليمن”، القوات الإماراتية الموجودة في المطارات والمعسكرات بمنطقة “الريان” الساحلية، إلى إخلاء مواقعها وتسّليم هذه المقرات لـ”السعودية”.
علمًا أن “الريان” كانت تُعتبر أحد حصون القوات الموالية لـ”الإمارات”؛ منذ العام 2018م.
الصراع “الإماراتي-السعودي”..
لكن التعارض بين “الإمارات” و”السعودية” لم يقتصر على الأبعاد الميدانية، وإنما سّعى الطرفان إلى تدعيم وزن قواتهما السياسي بالمحافظة.
وفي هذا الصدد؛ عقد “المجلس الانتقالي”؛ الموالي لـ”الإمارات” اجتماعًا استشاريًا كبيرًا بالفترة: (04 – 07) آيار/مايو 2023م؛ بدعم مالي ولوجيستي إماراتي بالكامل، وتوجيه الدعوة للأحزاب، وشيوخ القبائل، والنشطاء في الجنوب، وتقديم نفسه كمندوب عن “جنوب اليمن” في المفاوضات “اليمنية-اليمنية” لتحديد المستقبل السياسي اليمني.
لكن بالنهاية؛ لم يُعلن الانضمام إلى “المجلس الانتقالي” سوى: 04 فصائل جنوبية؛ هي: “المجلس الأعلى للحراك الثوري”؛ برئاسة “عبدالرؤوف السقاف”، و”الحراك الثوري لتحرير الجنوب”؛ برئاسة الدكتور “عيدروس اليهري”، و”الحراك السلمي”؛ برئاسة “على هيثم الغريب”، و”مجلس الحراك الثوري”؛ برئاسة “فادي باعوم”، ما تسبب في فشل المشروع الإماراتي.
في المقابل؛ عقدت “السعودية”؛ بدعم من قبائل “حضرموت”، اجتماعًا تشاوريًا مع كل نشطاء المحافظة تحت مسّمى: “مؤتمر الحضرموت الجامع”، وتمكنت من استصدار بيان يُدين ممارسات “المجلس الانتقالي” و”الإمارات” في المحافظة، حتى أن شعب الفصائل الأربعة التي أعلنت الانضمام إلى “المجلس الانتقالي” شاركت في اجتماع “حضرموت”، ووقعّت على البيان الختامي.
ومن خلال أحداث العام الماضي؛ يمكننا استنتاج أن “السعودية” بدأت تستشعر الخطر حيال “المجلس الانتقالي”؛ المدعوم إماراتيًا، لاسيما بعد تقدم قوات هذا المجلس بسرعة في محافظات “شبوة، وآبين، ولحج”، عقب إعلان وقف إطلاق النار بين قوات التحالف و(أنصار الله)، هذا بالإضافة إلى الخلافات “السعودية-الإماراتية” فيما يخص الملفات الاقتصادية والسياسية بالمنطقة، وهو ما دفع “السعودية” إلى تشكيل عدة كتائب عسكرية جديدة بالتوازي مع الضغوط السياسية من مختلف الجهات، والبدء في مرحلة إضعاف “المجلس الانتقالي” والقوات الإماراتية الرسمية في “جنوب اليمن”.
وفي حال استمرار هذه التحركات، فلابد أن نشهد سريعًا وجود القوات السعودية الرسّمي في موانيء الجنوب اليمن الأخرى ومنشآت “بلحاف” الغازية؛ في محافظة “شبوة”، وموانيء “الملا والضبة” في “حضرموت”، وكذلك سّعي القوات المحسّوبة على “الرياض”، إلى فرض السّيطرة الكاملة على جزيرة “سقطري” الاستراتيجية، ومن ثم إقصاء “الإمارات” بشكلٍ كامل عن الملف اليمني.
وقد سّعى “طارق” بشدة للسّيطرة على مدينة “تعز”؛ باعتبارها أحد القواعد الأساسية لـ”الإخوان المسلمين” في “اليمن”. وقد احتدمت المواجهات بين (الإصلاح) وقوى الساحل الغربي؛ في آذار/مارس، بعد دخول “طارق” مدينة “تعز” للمرة الأولى منذ “الربيع العربي”؛ عام 2011م، واستمرت هذه المواجهات بصوة متفرقة وأسّفرت عن مصرع: 100 من عناصر، بل وقيادات الطرفين.
وفي النهاية؛ تراجعت قوات “طارق” عن فكرة التحرك في مدينة “تعز”؛ بعد هجوم قوات حزب (الإصلاح) على احتفال قوات “طارق” الكبير والاعتداء بالضرب والسّب على عدد من المسؤولين والفنانين المشاركين في الحفل.
وانصراف “طارق” عن “تعز”؛ تبعه زيادة تحركات قواته في مناطق غرب محافظة “لحج”، لكن هذه التحركات لم تفض هذه المرة عن مواجهات متفرقة، وإنما قوات قبائل “الصبيحة” المسّلحة؛ وبخاصة الوحدات تحت سّيطرة “حمدي شكري الصبيحي”؛ الحليف التقليدي لـ (الإصلاح)؛ (قبل أن تنفصل هذه الوحدات عن التحالف مع العمالقة)، حيث تمكنت قوات “حمدي” بالتنسّيق مع الجناح السّلفي لـ (العمالقة) والمحسّوبة على “أبو زرعه المحرمي”، من الدخول في مواجهات على نطاقٍ واسع مع قوات “طارق”.
واستنادًا إلى بعض الأخبار المنشورة فقد تمكنت هذه القوات للمرة الأولى منذ العام 2018م؛ من السّيطرة على سواحل “رأس العارة” و”المضاربة”، وكذلك سواحل “رأس عمران”؛ بالقرب من مدينة “عدن”، التي تُعتبر من الأجزاء الرئيسة في الإشراف على “باب المندب”.
الوجه الآخر..
الوجه الآخر لمواجهات قوات “طارق”؛ هو سكون وأحيانًا تأييد (العمالقة) تحت قيادة “أبو زرعه المحرمي”، للتحركات المناوئة لـ”طارق” في السواحل الغربية.
ويمكن تحليل هذه الخطوة من عدة جهات، ذلك أن قوات (العمالقة)؛ المتواجدة في الساحل الغربي لـ”اليمن”، تتكون من قوى سّلفية ومحلية في: “تعز ولحج وتهامة”، وبعض هذه القوات تجمع تحت راية وحدات الدعم والاسّناد، وذلك بعد اغتيال وإقصاء الكثير من قياداتهم بتخطيط من “هاني بن بريك”؛ وقد كان وزير سابق، ونائب رئيس “المجلس الانتقالي الجنوبي”؛ المدعوم إماراتيًا، للتعامل مع تحركات (أنصار الله) في السواحل الغربية.
وبالنظر إلى ما سبق، يمكن تقديم ثلاثة أسباب وراء عزوف قوات “المحرمي” عن الدخول في المناقشات الراهنة على النحو التالي:
01 – عدم الرغبة في الدخول بمواجهات مع القوات المحلية التي هي جزءً منها.
02 – الميل لـ”السعودية” من الناحية الفكرية؛ بسبب القناعات السّلفية.
03 – الصورة السّلبية عن القوات الموالية لـ”الإمارات” ودورها في اغتيال القيادات الفكرية لذلك التيار.
النتيجة..
بالنظر لمسّار التوتر المتصاعد في المناطق تحت سّيطرة الائتلاف والنزاع المتنامي بين القوات المدعومة من “أبوظبي” و”الرياض”، يمكن القول: فإن جهود “منظمة الأمم المتحدة” والأطراف الدولية لإجراء مباحثات “يمنية-يمنية”، مسألة غير ممكنة في ظل الأوضاع الراهنة.
ويُحيط الارتباك والغموض بمباحثات السلام من أجل مستقبل “اليمن”؛ في الوقت الراهن، لا سيما في المناطق تحت سّيطرة الائتلاف.
وخول السفير الأميركي في اليمن؛ “ستيفن فاغن”، “قصر المعاشيق” في “عدن” والسّيطرة على إدارة الأمور في المناطق الجنوبية اليمنية؛ هو أحد أدلة تصاعد وتيرة الخلافات.
من جهة أخرى؛ يبدو على (أنصار الله) أن تسّتفيد من الخلافات المتصاعدة بين الطرفين من وجهين، الأول: توطيد علاقاتها مع الأطراف تحت الضغط الجنوبي سواءً على مستوى القيادات أو مستويات أقل. الثاني: تضاعف “صنعاء” من تحركاتها للحصول على امتيازات أكثر من “السعودية” والغرب، لا سيما ما يخص التعهدات المنصوص عليها في اتفاق وقف إطلاق النار من مثل زيادة عدد الرحلات الجوية في “مطار صنعاء الدولي”، وتخفيف الحصار على “ميناء الحديدة” أو المباحثات المتعلقة بالملفات الإنسانية؛ مثل دفع رواتب الموظفين.