امین محمدی
احمد معصوم زاده
عقد “المجلس الصوفي العالمي”؛ بدولة “إندونيسيا”، مؤتمره الرابع في مدينة “بكالونغان-جاوى” الوسطى؛ حيث احتل خبر مشاركة أحد علماء “الأزهر” وأحد مشايخ علماء الصوفية أيضًا صدارة الأخبار، فرُغم مشاركة عدد من كبار الصوفية وعلماء “أهل السُنة” في المؤتمر؛ لكن اختيار: “أسامة الأزهري”، لإلقاء الكلمة الافتتاحية نيابة عن غيره من الضيوف المشاركين، لم يكن الحدث الوحيد المُثير للدهشة.
وقد افتتح “الأزهري” مؤسسته في “جاكارتا”؛ وكرمته كلية “أصول الدين” بجامعة (الرانيري) الإسلامية الحكومية بـ”ندا أتشيه”؛ بـ”إندونيسيا”.
والسؤال: ما الذي يُميز هذا الشيخ الشاب عن غيره من أتباع الطرق الصوفية الذين شاركوا في المؤتمر ؟.. هل تصحبه العناية الربانية أم تشمله الكرامات والعلم اللدني ؟
مندوب “السيسي” أم داعية للإسلام الوسطي ؟
كما أثار “الأزهري” الجدل بعد زيارته؛ بتاريخ 08 آيار/مايو 2023م، إلى “ماليزيا”؛ حيث وصفوه: بـ”الداعية الإسلامي الوسطي”؛ رُغم أن الآخرون ينظرون باعتباره مندوب: “عبدالفتاح السيسي”.
وهذا الكلام ليس من فراغ؛ ولكن بسبب اختياره مستشارًا للرئيس المصري للشؤون الدينية؛ بتاريخ 02 تشرين أول/أكتوبر 2014م. وهو يحظى بدعم “السيسي” في زياراته المتكررة إلى الدول الإسلامية والأجنبية من مثل: “روسيا وقرغيزيا، وأستراليا، وموريتانيا، وتونس، وإيطاليا، والفاتيكان، والصين، وإنكلترا”، وغيرها.
لكن تحظى مشاركته في اجتماع “غروزني” بما أفضى عن مواقف معادية للتيار السّلفي، وكذلك “مؤتمر المجلس الصوفي العالمي”؛ بدولة “إندونيسيا”، بالأهمية البالغة. وقد حظي “الأزهري” بالدعم في ظل قمع الحكومة للتيارات السّلفية والإخوانية وخصمه الأخير الحالي؛ أو بعبارة أدق “أحمد الطيب”.
ورُغم أن التاريخ المصري المعاصر اقترن بالتفاعل والصراع مع “الأزهر”، والتصوف، والحكومة لا سيما بعد “جمال عبدالناصر”، لكن سلسلة الأحداث تُثبّت إن تركيبة التيارات الدينية في “مصر” بصدّد التحول والتغييّر.
وقبل الدخول في الموضوع؛ يجب القيام بإعادة قراءة للعلاقات بين “الأزهر”، والتصوف، والحكومة.
في باب صفقات الصوفية والفراعنة..
يعود وجود الصوفية في “مصر” إلى القرون الإسلامية الأولى، وقد اكتسّب التصوف المصري جوانب عملية وشعبية.
في المقابل كان “الأزهر” المؤسسة الحكومية؛ وقد بُني مسجده باتجاه قبلة قصر الخليفة، قبل أن يتمكن من الاستقلال في العصر العثماني. ورُغم اعتراف “الأزهر” بالتصوف، لكن يتبنى “الأزهر” القراءة العلمية للتصوف مثل: “القشيري والغزالي”، وهي مختلفة تمامًا عن القراءة العامية. وعليه لطالما سّعى “الأزهر” إلى فرض نفوذه على الطرق الصوفية في إطار تثبّيت وتدعيم مرجعيته الدينية، إلى أن اختار “محمد علي”؛ في العام 1812م، وللمرة الأولى، الشيخ “خليل بكري”، لقيادة جميع الطرق الصوفية، حتى يستطيع الحد من مرجعية علماء “الأزهر”.
وبذلك وضع حجر الأساس للتعارض بين هاتين المؤسستين الدينيتين الهامتين في “مصر”. ثم اختار “جمال عبدالناصر”؛ لمنصب شيخ مشايخ الطرق الصوفية، الشيخ “محمد محمود علوان”، بهدف الحد من نفوذ “الأزهر” ومكافحة “الإخوان المسلمين”. إلا أنه قام بخطوة أكبر وقرر إدخال التصوف المصري في المعادلات الإقليمية، وأقنع الشيخ “أحمد الجنيدي”؛ شيخ الطريقة “الجنيدية”، بإنشاء فرع للطريقة في “سوريا”، وذلك في إطار جهود التوحيد بين “مصر” و”سوريا”.
ولقاء ذلك سمح “عبدالناصر”؛ بعضوية بعض مشايخ الطرق الصوفية في البرلمان. وسار “أنور السادات” على نفس خطى سلفه تجاه الصوفية، وتبلور نوع من التحالف الاستراتيجية بين الصوفية والحكومة.
على سبيل المثال؛ جرى استخدام مشايخ الصوفية أمثال: “زكي إبراهيم”؛ رئيس الطريقة “المحمدية الشاذلية”، في القوات المسّلحة للعمل على رفع الروح المعنوية للجنود والمقاتلين.
ولم تتغيّر الأجواء في فترة “حسني مبارك”، اللهم إلا من خلاف الصوفية مع الحكومة قبيل أشهر من ثورة 25 كانون ثان/يناير 2011م، على خلفية اختيار: “عبدالهادي القصبي”؛ عضو الحزب (الوطني)، لرئاسة “المجلس الأعلى للطرق الصوفية”.
ثم استمر موقف الصوفية بالضعف بعد ثورة كانون ثان/يناير، بسبب العلاقات مع نظام “مبارك” حتى قررت الوقوف إلى جانب التيارات الليبرالية.
في المقابل؛ استعادة التيارات مثل “الإخوان المسلمين” والسّلفيين قوتها الاجتماعية. في غضون ذلك كان “الأزهر” الأكثر الاستفادة من الجميع؛ حيث قام في آتون الثورة بدور الوسّاطة الاجتماعية، لكن فوز “محمد مرسي” بالرئاسة المصرية، وتأسيس حزب (الحرية والعدالة) الإخواني، كان سبب تماهي: “أحمد الطيب” والصوفية مع الانقلابيين.
السر في دعم الصوفية؛ “عبدالفتاح السيسي”، والهتاف بشعار: (لا إله إلا الله؛ السيسي حبيب الله)، هو القول باتباع والده “سعيد” الطريقة الأحمدية، وأن “عبدالفتاح” نفسه صوفي؛ وأنه متأثر بالشيخ “إسماعيل صادق العدوي”، من مشايخ الخلوتيه.
لكن هذا ظاهر القضية فقط؛ وسبب الدعم الصوفي ومشايخ أمثال: “زين العابدين فهمي سلامة” و”عبدالهادي القصبي”، هو خسارة أحزاب (تحرير مصر، وصوت الحرية) الصوفية؛ من أحزاب (الحرية والعدالة) الإخواني و(النور) السلفي، في الانتخابات البرلمانية. بخلاف استفادة السلفية و(الإخوان المسلمين) من فراغ السلطة بعد الإطاحة بنظام “مبارك” في إثارة الاضطرابات. لذلك اصطف “الأزهر”؛ كما الصوفية، إلى جانب “السيسي” للحيلولة دون نهضة الوحش “الإخواني-السلفي”.
مع هذا؛ لم يستمر تحالف “الأزهر” مع الصوفية؛ (بحسّب القصبي وعبدالخالق الشبراوي؛ شيخ الطريقة الشبراوية)، بعد الإطاحة بـ (الإخوان) وتقيّيد السّلفيين.
وطالب “السيسي”؛ بشكلٍ ضمني، إلى علماء “الأزهر” وفي أكثر من خطاب بثورة في الخطاب الديني. ورُغم ردود الفعل السلبية على هذه المطالب حتى وصفت: بـ”الانقلاب الديني بعد الانقلاب العسكري”، لكن نظم “الاتحاد العالمي للتصوف”؛ بالتعاون مع “وزارة الأوقاف” المصرية، مؤتمر بعنوان: “التصوف في مواجهة التطرف”؛ عام 2015م.
ورُغم أن “أحمد الطيب”؛ شيخ الأزهر، نفسه من مشايخ “الشاذلية” ومعارض للسلفية، لكن مقاومته إزاء مطالب الحكومة مثل الطلاق الشفهي، وعدم تكفير (داعش) والفصائل المسّلحة في “سيناء”، وفشل “الأزهر” في إطلاق حملة قوية معادية للإسلام السياسي؛ وبخاصة (الإخوان) و(داعش)، والتمسّك بالموقف المتشّدد تجاه الشيعة، وتجاهل مواقف الحكومة المصرية من “إيران والعراق وسوريا”، ومعارضة “قمة غروزني”، جعل “السيسي” على قناعة بضرورة الاستفادة من التصوف كأسلافه للحيلولة دون نفوذ “الأزهر” المتزايد بعد ثورة كانون ثان/يناير.
من السلطة الدينية إلى البرلمان المصري..
من بين عطايا “السيسي”؛ لكسّب تأييد الصوفية، تخصيص ميزانية كبيرة للإنفاق على ترميم مزارات ومقابر الصوفية في عموم “جمهورية مصر العربية”؛ والتي يُناهز عددها: 06 آلاف مزارًا، منها: 294 في “القاهرة”، وأهمها مزارات “الحسين” عليه السلام، و”السيدة زينب”، و”السيدة نفيسة”.
على سبيل المثال تخصيص مبلغ: 1.6 مليون دولار للإنفاق على ترميم مسجد ومرقد “السيدة نفيسة”. هذه الإجراءات دفعت؛ “علاء الدين ماضي أبو العزائم”، شيخ الطريقة “العزمية”، لامتداح “السيسي”.
بخلاف المساعدة على الدعاية للصوفية، اعتمد “السيسي” سياسة جذب بعض مشايخ الصوفية: وحقق ائتلاف (دعم مصر) فوزًا حاسمًا في انتخابات أيلول/سبتمبر 2018م، بالحصول على عدد: 400 مقعد من أصل: 596 مقعدًا؛ حيث يتكون هذا الائتلاف من عدد: 07 أحزاب صوفية؛ برئاسة “عبدالهادي القصبي”، نائب رئيس حزب (مستقبل وطن)، ورئيس “لجنة التضامن الاجتماعي” بالبرلمان المصري، ورئيس “المجلس الأعلى للطرق الصوفية”.
ومن المتصوفة الذين يحصلون على دعم الحكومة؛ يمكن الإشارة إلى: “علي جمعة، وشوقي علام، وعبدالهادي القصبي”، وحديثًا: “أسامة الأزهري”، لكن الدولة تُفضل الأخير بشكلٍ أكبر.
“الأزهري” ضد “الأزهر” !
“أسامة الأزهري”؛ من مواليد الإسكندرية، وخريج جامعة “الأزهر”، ويُعتبر أحد العلماء. كان في العام 2000م، ضمن حلقة المقربين من مفتي مصر آنذاك؛ “علي جمعة”، ويعود تاريخ أول دروسه أمام الرأي العام إلى عام 2005م؛ بمسجد “السلطان حسن” بالقاهرة، حيث خطب الجمعة كبديل عن المفتي “علي جمعة”.
وكان يقوم بأنشطته الدعوية بسّهولة، بعكس الكثير من الوعاظ والعلماء الذين تعرضوا لتنكيل الأجهزة الأمنية في نهاية حقبة “مبارك”. وكان ناقد بشدة لـ (الإخوان المسلمين)، في فترة حكم “مرسي”.
وقد أطلقت عليه صحيفة (المصري اليوم)؛ بعد اختياره مستشارًا دينيًا للرئيس المصري، اسم: “حربة السيسي”، لا سيما بعد تكليفه ببحث الوضع “الفقهي-العقدي” للإسلاميين المعتقلين. في أعقاب ذلك وصفته وسائل الإعلام بالمرشح الأقوى لخلافة “أحمد الطيب”.
وقد ازدادت هذه التكهنات بعد تكليف “الأزهري” بخطبة عيد الأضحى للأعوام: (2017 – 2018م) بحضور “السيسي” و”علام” و”الطيب”.
كما تولى منذ العام 2015م؛ ملف تجديد الخطاب الديني، وحينها وصفت هذه الخطوة بالمقدمة لخلافة “الطيب”. وحتى الآن وقع الخلاف بين “الأزهري” و”الطيب”، في ثلاثة مواقف كالتالي: دعم “الأزهري” عمليات القتل والقمع في آب/أغسطس 2013م، ومعارضة “الطيب” تدخلات اللجنة الدينية البرلمانية وعدم إصلاح الكتب الدينية؛ في كانون ثان/يناير 2017م، وأخيرًا مخالفة “الطيب”؛ برنامج “الأزهري” لتأهيل الوعاظ.
وأهم إجراء للتعامل مع مواقف “الطيب” كان اقتراح “قانون تنظيم دار الإفتاء”؛ حزيران/يونيو 2020م، وتحويل “دار الإفتاء” إلى منافس لـ”الأزهر”. ورغم إلغاء القانون بعد معارضة “الأزهر” الشديدة، أعلن “السيسي”؛ “دار الإفتاء”، جهة ذات طبيعة خاصة في آب/أغسطس 2021م.
النتيجة..
اتجاه الحكومة الريعية إلى الاستفادة من عوائدها في تقوية أو استحداث قراءة دينية مسألة ليست جديدة؛ ولكن تدعم “السعودية” الوهابية، و”قطر” الإخوان المسلمين، و”الإمارات” الإسلام الليبرالي والصوفي.
والمؤكد أن تفاعل وتعارض التيارات الدينية الموازية في تاريخ “مصر” مسألة لا تُثير الدهشة؛ لكن ما يُميز تجميل التيارات الدينية ليس تقوية التيار الصوفي من أجل إضعاف “الأزهر”، وليس جذب المتصوفة مثل “أسامة الأزهري”، وإنما تحقيق جزء من اللعبة الإماراتية القائمة على المرجعية العالمية للتصوف الريعي في العالم الإسلامي.