في كتب أهل السنة والجماعة جاءت رواية تدل على فضل الجهاد في منطقة عسقلان الحدودية آنذاك وتقول: «إن أفضل جهادكم الرباط وإن أفضل رباطكم عسقلان.»
وتعتبر مدينة عسقلان من أقدم مدن العالم وتقع حاليا في الأراضي المحتلة بقرب غزة وكانت مركزها حينما فتحها المسلمون في القرن الأول بعد الهجرة بحيث تطلق على غزة اسم “غزة عسقلان” في بعض المصادر التاريخية.
وفي كلمة ألقاها “الشيخ محمد الحسن ولد الددو” العالم البارز والشهير من موريتانيا لدعم الجهاد الإسلامي في غزة وتبيين فضله العظيم، أشار إلى هذا الحديث النبوي وليس وحده الذي بادر بهذا الأمر في الفترة الأخيرة ويستطيع القارئ الكريم أن يجد ببحث سريع المئات أو الآلاف من المقالات التي تم نشرها في هذا الصدد في الأجواء الافتراضية بعد بدء عميلة طوفان الأقصي.
ومن المثير للاهتمام، يُعَدُّ هذا الاستنتاج فهما بديعا لم يطرح من قبل في أجواء الخطاب الديني ويسفر عن موجة غير مسبوقة في تدوين المقالات وتحريرها في هذا المجال ولكن قبل ذلك،أنها لم تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة وتمت كتابتها على يد العلماء المغمورين خلال السنوات الخمسة الماضية.
ويبدو أن نجاح هذه العملية الجهادية يؤثر إيجابياً على الانتشار الواسع لإعادة قراءة هذه الأحاديث بالنزعة المعاصرة وحسب علم آخر الزمان. اليوم، أصبحت الحرب في فلسطين متكافئة تقريباً خلافاً للعقود السبعة الماضية التي اختصرت المقاومة فيها بالعملية الاستشهادية أو الانتفاضة المدنية وتُعَدُّ منطقة غزة ساحة معركة المسلمين مع الكفار الصهاينة من جديد. وفي ظل التفوق العسكري الساحق للكيان الصهيوني في الآونة السابقة، لم يرغب أحدٌ أن يسمّى المقاومة الفلسطينية بساحة الحرب الشاملة لجميع المسلمين.
لكن تقلبت الأيام وتغيرت الظروف وتمّ تطبيق الرواية المذكورة على المقاومة المقدسة في الأراضي المحتلة وغزة كما ينتعش الأدب الديني الذي يدعم صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته أمام العدو متزامنا مع استعراض مجاهدي غزة قوتهم في الحرب مع الصهاينة الكفار وبدأ العلماء يتحدثون عن المشاركة في الحرب بدلاً من مجرد الدعم الكلامي والمالي والدبلوماسي.
ومن المثير للإعجاب، انتشر فيديو “للشيخ ناصر بن إبراهيم بن صالح المحيميد” المنتمي إلى السلفية الدخلية على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي في نفس الوقت وحاول فيه أن يجيب عن هذا السؤال: “لماذا لا يدعم العلماء السلفيون المشاركة في المقاومة الإسلامية في الأراضي المحتلة وغزة؟”
حيث كشف الرد عن عقلية تمثل صراع الأفكار بين فكرتين متضادتين بشأن قضية الحركة الجهادية في فلسطين حينما استند على قول أحد العلماء يقول: «إن قتل شخص كافر عند الضعف أشد جرماً من قتل مسلم.» ووصف العمل الجهادي في غزة بالمغامرة والجهل لأن الحكومة الإسلامية الإيرانية تساند هذه المقاومة وأردف قائلاً: «ليس من الحكمة أن تساعد المجاهدين في أثناء الحرب أمام العدو القاهر لأن المسلمين في حالة الضعف وإذا قتلتَ كافرا فسيقتل عشرين ألف مسلم وهذا ليس انتصاراً.» وفي نهاية كلامه، أشار إلى قاعدة أخرى قائلاً: «تاللّه وباللّه إننا نتألم بما يحدث لكن أهل السنة تحكمهم قاعدة المصالح والمفاسد.»
ويُعدُّ أهم إنجاز لعملية طوفان الأقصى إخراج المسلمين من حالة الانحطاط الذي حل بهم تجاه قضية الاحتلال كما سلبت الذريعة المفبركة التي يحتج بها هؤلاء المعارضون للمقاومة وأثبتت للجميع أن المقاومة أمام الكيان الصهيوني أصبحت من مصاديق الجهاد العظيم في رؤى العلماء والمفكرين مرة أخري.
ولا تهدف إسرائيل من هجماتها البشعة التي شنتها على الشعب الفلسطيني إلا قتل الأبرياء ورفع الخسائر البشرية والمادية إلى مستويات تاريخية لم يشهدها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتسعى لكي تجعل الجهاد عديمة المعنى وتمنح أنصار التطبيع السياسي والمعارضين للمقاومة مبرراً.
وإنها للمرة الأولي في التاريخ المعاصر التي نجد فيها حركات جهادية شتّي تتوقف عند هدف واحد وفي هذه المرة،لا يحدث الصراع الشيعي السني في سوريا ولا يقاتل المجاهدون الأفغان مع الاحتلال السوفيتي أو الأمريكي ولا يواجه المؤمنون المجاهدون الحوثيون العدو السعودي في اليمن ولا يحارب الحشد الشعبي العراقي المنظمة الإرهابية داعش.
وحدث كل ذلك في الفترة التي يأمل فيها أنصار الربيع العربي أن يحين أوانهم لكي يجدوا مفراً للهروب من مستقبلهم الكئيب وفقد الفكر الداعشي التكفيري جاذبيته للإرهابيين وتكون السلفية التي تدعم داعش، في التدهور المستمر وأضعف حالاتها في العقود الماضية.
والجدير بالذكر أنها جاءت رواية نبوية في صحيح مسلم وتنبأت بفتح القسطنطينية وعودة المسيح عيسى بن مريم (عليهما السلام) وتستند بها الحركات الجهادية على ضرورة المقاومة في فلسطين ولكن عملية طوفان الأقصى أحيت أمل الأمة وغيرت الأمر بحيث يستند بعض مستخدمي الإنترنت من أهل السنة والجماعة برواية “إن أفضل رباطكم عسقلان” على فضل الجهاد في غزة وعسقلان.
وفي هذه الأيام، يشعر أبناء الشيعة بالحنين لزيارة مقام رأس الحسين(ع) في عسقلان وضريح جد النبي (ص) في مدينة غزة وتظهر طلائع التكوين “للأدب الديني الحديث” الذي يؤدي إلى تدفق المجاهدين المسلمين نحو فلسطين لتحرير مكان عروج النبي(ص).
ونأمل أن نغتنم هذه الفرصة السانحة القيمة لكي نحقق معنى الوحدة بين المسلمين بمشيئة اللّه تعالى ونتمنى أن لا تغلق أبواب الجهاد مرة أخرى بحيث تُخيب آمال المسلمين لتحرير الفلسطين.