نظمت ندوة بعنوان “الفروع الجديدة لتيار الإسلام السياسي العربي التركي” في مركز المرصاد. وحضر الندوة كل من الأستاذ رمضان بورسا المحلل التركي ومسعود صدر محمدي مدير قسم الدراسات التركية وحميد عظيمي المدير العام لمركز المرصاد.
تعتبر هذه الندوة أول نشاط يقوم به قسم الدراسات التركية في هذا المركز وتشتمل على الفقرات التالية:
محاضرة الأستاذ رمضان بورسا
- إطلالة على النظام السائد في العالم
- دراسة لوضع المنطقة على ضوء النظام العالمي
- خطط القوى العالمية للتحكم بالتيارات الإسلامية
- مميزات التيار الاسلامي الإصلاحي
- الدور التأسيسي للغنوشي:
- في الأردن
- في المغرب
- في مصر
- في لبنان
- في تركيا
- في جنوب شرق أسيا
- دور منتدى الشرق
- في الأوساط الشيعية
محاضرة الأستاذ عظيمي: التوجه التركي نحو العرب
- أشكال التأثير التركي في العالم العربي
- أشكال التاثير النموذجي (تقديم نموذج)
- التأثيرات الانتقائية للإسلام السياسي التركي
- بين الحزب والمنظمة
- مفهوم الحزبية وما يترتب عليها
- بين القومية والتوجه نحو الأمة الإسلامية
- بين الإصلاح والثورة
- التأثيرات الإنشائية للحركة الإسلامية التركية
- التحالف مع الغرب
- التصوف
- الكالفينية الإسلامية
- دور غولن في النماذج التأسيسية
- الفراغ الأيديولوجي الراهن
- توجه الحركة الإسلامية في تركيا إلى الإخوانية الحديثة أمر طبيعي
- النتائج والخاتمة: إضعاف طرفي الحركة
محاضرة الأستاذ صدر محمدي: التوجه العربي نحو الأتراك
- الحركة الإسلامية العربية والدولة العثمانية
- ظهور أتاتورك
- فترة ما بعد الحرب الباردة
- أربكان والقومية
- وجود خلفية تنظيمية لحزب أربكان
- مشكلة تحليل حزب العدالة والتنمية ضمن الأطر الأيديولوجية
- أمثلة على أفكار حسین نصر
محاضرة الأستاذ رمضان بورسا
في بداية هذه الندوة أشار الأستاذ رمضان بورسا إلى ضرورة الحصول على معرفة صحيحة بالوضع الذي يعيشه العالم اليوم وذلك من أجل القيام بدراسة دقيقة عن التيارات الإسلامية وقال: منذ 300 سنة والصهيونية هي التي سيطرت على الموارد الاقتصادية والبشرية والتقنية في أرجاء العالم وتستغل ذلك لصياغة النظام العالمي وتحديد مقدراته.
وفي هذا الصراع الحضاري فإن الذين ينتمون إلى حضارة ضعيفة يقيّمون المجريات المحيطة بهم بالاعتماد على قيم الحضارة الأقوى. وهذا ما أدى إلى ما نشهده من احتلال الحضارة الأقوى للحضارة الأضعف ومقدراتها… حيث يعرّف اليوم مفهوم التقدم في المجتمعات الإسلامية على أنه يساوي التغرّب والتشبه بالغرب. وهذا مصداق واضح للاحتلال السياسي. وإن الظروف التي تعيشها التيارات السياسية في العالم الإسلامي هي نتيجة طبيعية لهذا الأمر.
وأشار هذا المحلل التركي إلى التطورات التي شهدها العالم ابتداء من مؤتمر يالطا مرورا بتأسيس الأمم المتحدة وفترة الحرب الباردة ووصولا إلى فترة القطبية الواحدة وما بعد الحداثة وأضاف: يقوم نظام الإدارة الدولية بتحديث نفسه وفقا لهذه التطورات، والحقيقة أن كل الأزمات والتقلبات التي نشهدها في العالم المعاصر هي الآلام التي جاءت نتيجة لتحديث هذا النظام العالمي. ولقد تمثل هذا التحديث في منطقتنا في ثلاث قضايا: أولا القضية الفلسطينية الإسرائيلية، ثانيا العلاقات الإسرائيلية-العربية وثالثا الوضع الذي تعيشه التيارات الإسلامية والتي يجب أن تواكب هذا العصر.
وبعد هذه المقدمة سلّط رمضان بورسا الضوء على وضع التيارات الإسلامية في المنطقة وقال: أسس حسن البناء جماعة الإخوان كردة فعل على الاحتلال البريطاني لمصر. و أثرت هذه الجماعة في المنطقة عموما وفي مصر تحديدا. كما أنها أسست لأدبيات جديدة وبذلك فقد تركت تأثيرا فكريا أيضا ويمكننا الإشارة إلى تأثير السيد قطب في إيران كمثال على ذلك.
ومن جهة أخرى أسس المرحوم نجم الدين أربكان حركة الرؤية الوطنية (ميلي غوروش) والتي تركت تأثيرا كبيرا على الظروف الاجتماعية في تركيا. وفي إيران فقد ظهر المرحوم الإمام الخميني في أواخر السبعينات من القرن الماضي واستطاع أن يؤسس حكومة عام 1979 والتي احتفلنا بالذكرى الأربعين لتأسيسها قبل يوم.
والسؤال المطروح هنا، ما هي القرارات التي ستتخذها التيارات الإسلامية على ضوء النظام العالمي الجديد؟ بما أن كلا من جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية وحركة الرؤية الوطنية وحزب الله اللبناني يمتلك قدرات نابعة من مواصفاته الاجتماعية وقاعدته الشعبية لذلك، فلايمكن اقتلاع هذه التيارات أو إقصاؤها دفعة واحدة. ويبقى الخيار الوحيد هو التغير الداخلي في كل واحد من هذه التيارات، أي التحول إلى تيارات لاتعارض الغرب وإسرائيل ولاترى مشكلة في التعايش معهما. لقد أصدرت مؤسسة رند قبل أكثر من 10 سنوات تقريرا صنّف المسلمين إلى ثلاث فئات: المتطرفين، المحافظين والمعتدلين. وأشار التقرير إلى أن الفئة الأنسب للتعاون مع الغرب هي فئة المعتدلين وبالتالي يجب تحويل الأشخاص والمجموعات المنتمية إلى هذه الفئة إلى قادة الفكر الاجتماعي في مجتمعاتهم. ولقد شهدنا في العقدين الأخيرين في تركيا أن هناك أشخاصا لم يكن لهم حضور أو مساهمة داخل التيارات والحركات ولكنهم سرعان ما تحولوا إلى قادة للشؤون الفكرية والاجتماعية. ولايقتصر هذا الأمر على تركيا والعالم السني بل يمكن مشاهدته بين الشيعة أيضا.
وفي الآونة الأخيرة لاحظنا تطورات فريدة وغير مسبوقة في التيارات الإسلامية. ففي عام 2015 أنشأ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية مصطلح الإسلام الديمقراطي وأصرّ عليه كثيرا وقال إنه لايمكننا أن نقف على أقدامنا في مواجهة النظام العالمي، فإن لم نتحد مع هذا النظام فلابد أن ننسق معه حتى نقف على أقدامنا. الحقيقة أن هذا الأمر هو مثال آخر على الاحتلال السياسي الذي فرضته الحضارة الأقوى على الحضارة الأضعف. حيث يسيطر نظامها التقييمي على الحضارة الأضعف. ولا ينحصر هذا الأمر على الغنوشي. ففي مصر مثلا نرى أن نائب مرشد الإخوان المسلمين إبراهيم منير يعمل ضمن هذا الإطار أيضا. وكذلك الرئيس السابق لقناة الجزيرة وضاح خنفر والذي يقوم بمجموعة من الأنشطة في هذا السياق وبالتعاون مع منتدى الشرق.
لقد تمثل هذا الفكر أول مرة في الانشقاق عن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن. حيث أكد عبدالمجيد ذنيبات على ترجيح كفة الأردنيين داخل جماعة الإخوان في الأردن وأسس على أساس ذلك تيارا أكثر قومية يحمل اسم حزب زمزم. كما اختاروا لأنفسهم اسم جمعية الإخوان أيضا. وبعد هذا الانشقاق سحب ملك الأردن من جماعة الإخوان ترخيصها التاريخي ومنحت رخصة أخرى لجمعية الإخوان المسلمين وبذلك فقد اعترف الملك الأردني بهذا التيار الجديد وبالتالي شهدنا انشقاقا في جماعة الإخوان في الأردن وتبديلها بكيان آخر والذي أدى إلى تحول شامل في الأنشطة الرسمية التي تمارسها هذه الجماعة.
المثال الثاني في المغرب حيث عرض الغنوشي هذا الفكر على المغربيين وبالتالي رأينا انشقاقا آخر هناك في صفوف حزب العدالة والتمنية. لم يستطع الغنوشي أن يقنع بنكيران بفكرة الإسلام الديموقراطي ولكن سعد الدين العثماني اقتنع بها ووافق الغنوشي. ثم التقى بالملك محمد السادس عدة مرات وبعد هذه اللقاءات والاجتماعات رأينا أن الملك أقال بنكيران من رئاسة الوزراء وعيّن سعد الدين العثماني بدلا عنه. ومن الطبيعي بعد كل هذا، أن يواجه هذا الحزب مزيدا من الانشقاق والضعف حيث انشق إلى فريقين: أنصار بنكيران وأنصار سعد الدين العثماني.
والأمر نفسه حدث في مصر بعد انقلاب السيسي عام 2013. حيث تواجه جماعة الإخوان في مصر انقساما بين المجددين والمحافظين مما أدى إلى طرد التيار المجدد من قبل مرشد الجماعة. ثم هاجر المنتمون إلى التيار المجدد إلى تركيا. ورغم أن تركيا تدعم الجماعة في مصر إلا أنها لم تتوان عن احتضان هذا التيار المجدد المنشق عن الإخوان ودعمته بامتياز. فاستقر التيار الجديد في تركيا وأسس لنفسه مركزا وجمعية وتلقى دعما ماليا من قطر.
أما في لبنان فإن الأستاذ سالم يكن ابن الأستاذ فتحي يكن يتولى قيادة التيار المعني هناك. وقد حاولت السعودية في الأونة الأخيرة أن يخرج حزب الشباب والتغيير من قيادة سالم يكن وعملت على إثارة الخلاف والحرب بينه وبين حزب الله ولكن يكن لم يقبل بمواجهة حزب الله أبدا. وبعد أن يئست السعودية من حزب الشباب توجهت إلى الجماعة الإٍسلامية في لبنان وحرّضتها على الحرب ضد حزب الله ولكن محاولاتها باءت بالفشل.
وفي تركيا يوجد حزب سياسي تابع لحركة الرؤية الوطنية (ميلي غوروش) وهو حزب السعادة. ويوجد في هذا الحزب أشخاص لديهم علاقات وثيقة مع الغنوشي وإبراهيم منير ووضاح خنفر. يمتلك هذا الحزب قناة اسمها قناة TV5 والتي تعتبر معقلا لهذا الحزب. ويحاول الأشخاص الذين أشرت إليهم أن يسوقوا هذا الحزب من الداخل إلى الليبرالية. وإن لم يحققوا نجاحا في هذا الإطار فإنهم سينشقون عن حزب السعادة ويؤسسون حزبا آخر. والأن يعتبر هذا الموضوع من أهم المواضيع السياسية في الساحة التركية.
وكذلك الأمر في جنوب شرق أسيا. حيث توجد علاقات وثيقة بين أنور إبراهيم ووضاح خنفر. وكما أن أشخاصا في حركة الرؤية الوطنية التركية فطنوا إلى هذه الأحداث واحتجوا عليها، كذلك يوجد أشخاص في جنوب شرق أسيا يحتجون على هذه الأمور ويواجهونها ومنهم رئيس الحزب الإسلامي الماليزي الشيخ عبدالهادي أوانج.
وفيما يتعلق بوضاح خنفر، يجدر الإشارة إلى أنه وبعد أن اضطر إلى الاستقالة من رئاسة قناة الجزيرة، عمل مستشارا في مركز تفكير (بيت خبرة) يرأسه برنارد لويي. وشغل منصب رئيس تحرير في هافينغتون بوست عربي لفترة طويلة. وبعد عام 2011 أسس منتدى الشرق والذي يهدف في الظاهر إلى نشر تقارير وتحليلات مختلفة ولكن الهدف الرئيسي لهذا المنتدى يتمثل في التواصل مع الجيل الشاب في التيارات الإسلامية المختلفة في أنحاء العالم الإسلامي وتنظيمهم. وأحد المواضيع التي يقدمها منتدى الشرق إلى هؤلاء الشباب هو الإسلام الديموقراطي والذي يقوم بتدريسه هو وضاح خنفر نفسه. والحقيقة أن منتدى الشرق يسعى إلى تنظيم وتدريب فئات شبابية بهدف إعداد جيل جديد من القادة لمستقبل الدول الإسلامية.
محاضرة الأستاذ عظيمي: التوجه التركي نحو العرب
ثم استمرت الندوة بمحاضرة الأستاذ حميد عظيمي مدير مركز المرصاد للتفكير حيث قدم بحثا بعنوان «الإتجاه الترکي نحو العرب في التأثيرات المتبادلة بين الإسلاميين» وقال إن التيار الإسلامي التركي ترك ثلاثة تأثيرات في التيار الإسلامي العربي. اثنان من هذه التأثيرات يؤديان إلى تقديم نموذج وليس المرجعية. والمقصود بالتأثير النموذجي هو أنك تصمم إطارا ونموذجا تأخذ به التيارات الإسلامية الأخرى بغض النظر عن وجود المصمم أو عدمه. بمعنى أنها تأخذ النموذج مستقلا عن صاحب النموذج. ولكن في النوع الثاني يتمثل التأثير في تقديم مرجعية وهنا لا يمكن الفصل بين الفكر وصاحب الفكر وبين النموذج وصاحب النموذج.
عندما بدأ الربيع العربي أرادت التيارات الإسلامية العربية أن تستفيد من أفكار وتجربة الإٍسلام السياسي في تركيا. وهنا تنقسم الأفكار إلى قسمين: القسم الأول هو ما يمكن استخلاصه وتحويله إلى نموذج يتم تطبيقه في بلد آخر والقسم الثاني هو ما لايمكن أن يُستخلص منه نموذج لكي يُخرج من أطره التركية ويطبق في الإسلام السياسي الغنوشي في تونس أو في مصر ودول أخرى. ولذلك شهدنا مرجعية تركية بدلا عن نموذج تركي. على سبيل المثال عندما نرى أن حزب العدالة والتنمية يتبنى سياسة معينة في الساحة السورية (كعلاقاته مع روسيا) لا نجد لها أي تفسير يقوم على الإسلام السياسي التركي. ولكن انطلاقا من مرجعية تركيا تبدأ كل التيارات الإسلامية بتبرير تلك السياسة.
وفيما يتعلق بالتأثيرات التركية التي أدت إلى تقديم نموذج فإننا نواجه نوعين من التأثيرات أيضا: التأثيرات الانتقائية والتأثيرات الإنشائية أو التأسيسية. التأثيرات النموذجية الانتقائية تتمثل في انتقاء الخطابات والأفكار التي تكونت سابقا في الإسلامي السياسي العربي. ولكن بما أنها طُبّقت لأول مرة على أرض الواقع في الإسلام السياسي التركي، فقد تعززت مكانتها في حركة الإسلام السياسي بشكل عام. ولكن التأثيرات التأسيسية التي كانت في الإسلام السياسي التركي، لم يسبق لها مثيل في العالم العربي.
وفيما يتعلق بالتأثيرات الاقتنائية فإن أهم مواضيعها تتمثل في ثنائية الحزب والتنظيم. فمنذ بداية حركة أربكان لم تكن التطورات التي شهدتها تركيا مثل الدول العربية كمصر وغيرها. لأنهم دخلوا مباشرة في عملية تأسيس الحزب بما تعنيه الكلمة. لكن الكيانات الرئيسية للإسلام السياسي والتي كانت في مصر بدأت نشاطها التنظيمي خارج إطار السلطة. وأثير هذا الموضوع قبل أربكان عندما كان الأستاذ التلمساني مرشدا للجماعة. حيث ناقشوا منذ ذلك الوقت إمكانية نشاط حركة الإسلام السياسي تحت مظلة الدولة وضمن الأطر الحكومية. والسبب في ذلك أنه لايوجد نظام سياسي يتقبل وجود كيانات سياسية مستقلة ليست لها علاقة محددة بالسلطة وتنشط بمعزل عنها. لذلك فقد نشأت ثنائية الحزب والتنظيم في أوساط الإخوان المسلمين في مصر وذلك منذ السبعينات من القرن الماضي ثم امتدت إلى مناطق أخرى. حيث أثارت جدلا واسعا في صفوف الإخوان ووقف في وجهها تيار آخر يمكن تسميته بالتيار القطبي أو التيار التنظيمي. وأخيرا انقشق التيار المؤيد للحزبية عن جماعة الإخوان المسلمين (حزب الوسط). رغم أن بعض الأشخاص الذين كانوا يميلون إلى الحزبية ظلوا في الجماعة ومنهم محمد حبيب وعبدالمنعم أبوالفتوح وهم من أكثر الأشخاص الذين يدعون إلى فكرة حزب الحرية والتنمية في مصر.
لكن الحقيقة أن أربكان هو أول من وفر متنفسا لمؤيدي الحزبية في الإخوان المسلمين وذلك بتأسيس الحركة الوطنية (ميلي غوروش). ولذلك يمكن القول بأن راشد الغنوشي وإبراهيم المنير ويوسف ندا وغيرهم مدينون للفكر الأربكاني إلى حد كبير.
ولكن كيف عرّفوا الإسلام السياسي الحزبي؟ عرّفوه بالتنازل عن بعض الأشياء لصالح الحكومة أو الدولة. أولا لابد من تجنب أي نشاط سري وأمني في الكيانات المنتمية للإسلام السياسي ويجب أن نمارس نشاطنا الحزبي بكل شفافية. ثانيا لاينبغي أن نقترب من الجيش أبدا وفوق كل ذلك لايمكن اللجوء إلى العنف لتحقيق أهدافنا. الأمر الثالث هو أن الحزب يجب أن يكون علمانيا بحد ذاته. سواء أكان يهدف إلى تأسيس حكومة إسلامية بعد تولي السلطة أو لا، فهذا موضوع آخر. ولكن الحزب بحد ذاته لاينبغي أن يهدف إلى مفهوم إسلامي. لذلك حتى أربكان قَبِل بأن حزب الرفاه ليس حزبا إسلاميا وإن كان الأخير يمثل المسلمين والمتدينين في تركيا، وذلك بسبب الضغوط التي مارستها الدولة العلمانية آنذاك. أما أردوغان فهو يقول على أرض الواقع إنه يمثل حزبا محافظا ديموقراطيا. وهذا يعني أنه لم يعد يرجع حزبه إلى القاعدة الإسلامية في المجتمع.
هناك موضوع آخر وهو الفصل بين مفهومي القومية والأمة الإسلامية. فالقبول بالحركة الحزبية يعني علينا أن نقبل بأن العمل الدولي من مهام الدولة.
ثنائية الإصلاح والثورة: هل المطلوب منا أن نسعى إلى الإصلاح أو الثورة؟ حركة الرؤية الوطنية (ميلي غوروش) سعت منذ البداية إلى الإصلاح. وطوال تاريخ الحركات السياسية الإسلامية في تركيا لم نشهد ثورة على الحكم بما تحمله الكلمة من معنى ولم نشهد متابعة ثورية لتطبيق النماذج الثورية.
ثنائية الديموقراطية والثيوقراطية (الحكومة الدينية) وهو انتقاء آخر.
لكن بما أن حزب العدالة والتنمية جاء عبر صناديق الانتخابات فقد تعزز التيار المؤيد للديموقراطية بين الإسلاميين.
وعلى ضوء ما سبق، أريد أن أقول إن ما نراه في جماعة الإخوان المسلمين من حركة إصلاحية أو بالأحرى حركة حزبية، مرهون إلى حد كبير بشخصية أربكان والانتقاءات التي قام بها داخل حركة الإسلام السياسي وتطبيقه لتلك الانتقاءات في الإسلام السياسي التركي.
وفيما يتعلق بالتأثيرات النموذجية التأسيسية فهنا لابد أن نتحدث عن التحالف مع الغرب أولا. فنحن نقول إن الأمر الذي يمكن اعتباره نقطة افتراق حقيقية بين أربكان وأردوغان هو أن حزب العدالة والتنمية قبل بأن يسعى إلى تحقيق أهدافه وقضاياه في إطار التحالف مع الغرب.
الموضوع الثاني هو إضفاء طابع صوفي على حركات الإسلام السياسي.
الموضوع التالي هو الكالفينية الإسلامية وهو موضوع في غاية الأهيمة. رغم أن حركة الإسلام السياسي كانت تعتمد في الماضي على الطبقات الضعيفة والمناطق الريفية وغير المدنية، أصبحت تقوم الآن على الطبقة المتوسطة وهذا التطور أدخل التيار الإسلامي في ساحة السلطة الاقتصادية. وربما يمكن القول إن هذا الأمر هو واحد من اهم الاختلافات بين حركة الإسلام السياسي من منظور حزب العدالة والتنمية وبقية التيارات التي تنتمي إلى الإسلام السياسي. طبعا كانت هناك محاولات في مدينة سفاكس التونسية حيث سعى راشد الغنوشي وغيره إلى إعادة بناء هذا النوع من الإسلام السياسي التركي في تونس عبر تأسيس حركة استثمارية خاصة ذات توجهات إسلامية.
وأنا أعتقد أن هذه الأمور الثلاثة اقتبسها أردوغان من غولن بشكل أو بآخر. خاصة فيما يتعلق بالكالفينية الإسلامية وإعادة التأسيس لمفهوم إنتاج الثروة وهو من المفاهيم التي أضفاها غولن على هيكلة التيار الإسلامي في تركيا وذلك بالمحاولات الشخصية التي قام بها في السبيعنات إلى التسعينات من القرن الماضي. وبالتالي يمكن القول بأن امتزاج أفكار أربكان مع أفكار غولن هو الذي شكل نقطة الافتراق بين أربكان وأردوغان.
ولذلك نعتقد بأنه إذا أردنا أن نزيل الطبقة الغولنية عن الإسلام السياسي التركي فلن يبقى إلا التوجهات والآراء الأربكانية المتمثلة في التوجهات الإصلاحية الموجودة في جماعة الإخوان المسلمين. ونظرا إلى أن أردوغان انفصل عمليا عن غولن فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي القاعدة التي سيبني حزب العدالة والتنمية أسسه الفكرية عليها؟
وعلى ضوء ما سبق، فإننا عندما نتحدث عن توجه الإسلام السياسي التركي نحو الغنوشي وخنفر وإبراهيم منير فنحن في الحقيقة لا نتحدث عن موضوع جديد. فمنذ 30 أو40 سنة وُجد هذا التيار داخل جماعة الإخوان المسلمين وحتى أربكان نفسه كان مقتنعا بأصول هذا التيار وأفكاره. وإذا أردنا هنا أن نتحدث عن الأصول الأصيلة لحركة الإخوان التنظيمية فلا مجال للحديث عنها في تركيا.
ثم استنتج حميد عظيمي من محاضرته قائلا: أعتقد أن ما نراه في تركيا هو إزالة طبقتين هامشيتين من حركة الإسلام السياسي والتركيز على حركة الإسلام السياسي الحزبي. فنحن نرى تدريجيا أن التيار المحافظ في الإخوان المسلمين يتعرض لانتقادات جدية داخل الجماعة وذلك بسبب فشله في مصر. ويتم التركيز الآن على مرجعية نموذج أردوغان والرجوع إليه في معالجة القضايا. وفي المقابل نرى أن حزب العدالة والتنمية قد تخلى عن أفكار وخطابات غولن والتي تبناها سابقا.
أعتقد أن الموضوع الذي تحدث عنه الأستاذ بورسا يشكل نوعا من الفرصة. بمعنى أنه استطاع أن يبعد الإسلام السياسي التركي والعربي عن النقطة السابقة إلى حد كبير، حيث كنا نرى سابقا أن أفكار غولن تخترق هذا التيار بشكل كبير. وأعتقد أن النتيجة الطبيعية لهذه العملية هي التوجهات الإخوانية الحزبية والتوجهات الأربكانية وعودة أردوغان إلى محطة أربكان ولعله ليس أمرا كارثيا جدا.
محاضرة الأستاذ صدر محمدي: التوجه العربي نحو الأتراك
ثم استمرت الندوة بمحاضرة الأستاذ مسعود صدر محمدي مدير قسم الدراسات التركية في مركز المرصاد، حيث قال:
الدولة العثمانية بوصفها دولة كانت تعتبر نفسها حاملة راية الدولة الإسلامية، أدركت في القرن الثامن عشر الميلادي أنها بدأت تضعف، والمسألة هنا هي مسألة الحداثة والتشبه بالكفار. ففي عهد السلطان عبدالحميد شهدنا نوعا من الامتزاج والتلاحم التركي العربي داخل الدولة العثمانية حيث تحولت إسطنبول إثرها إلى ملجأ للتيارات الإسلامية. ولكن بعد تولي التيار الأتاتوركي للسطلة اعتبر التيار الإسلامي نفسه جزءا من التيار اليميني المحافظ ولذلك انضوى التياران الإسلامي والقومي التركي تحت معنى واحد نوعا ما. ولكن بعد ذلك وبسبب ترجمة الأفكار التي كانت موجودة في العالم العربي وشبه القارة الهندية وجد التيار الإسلامي التركي أن هويته الحقيقية تتمثل في التوجه نحو الفصل بين التيار القومي المحافظ والتيار الإسلامي.
ويعتبر التيار الإسلامي التركي نفسه مدينا للتيار الإسلامي العربي في عملية استعادة الهوية. ولقد سجل التاريخ هجرة جيلين من الأتراك إلى مصر وسوريا والأردن والعالم العربي عموما وكل هذه الهجرات ساهمت في استعادة القطع المتناثرة للهوية الإسلامية التركية.
وفي النهاية لدي تعليقات على ما تفضل به أخي العزيز الأستاذ عظيمي. الحقيقة أن الراحل أربكان يشكل محطة من محطات انفصال التيار الإسلامي عن التيار القومي. فقد ظهر أربكان في الفترة التي كان فيها التيار الإسلامي ينفصل عن التيار القومي. وفي هذه الفترة نشهد تيارين: الأول تيار قومي علماني-إسلامي تحت قيادة حركة م.ه.ب وحركة يازاوغلو وهذا التيار رجّح كفة القومية التركية. وهناك تيار ثان وهو التيار الذي قاده الراحل أربكان والذي رجح التوجه الإسلامي مقابل التوجه القومي. وفيما يتعلق بكلمة “ميلي” في حركة ميلي غوروش فليس المقصود به الوطنية كما يترجم عادة بل المقصود به «ملة أبيكم إبراهيم» وهذا ما يتم التأكيد عليه أكثر.
المسألة هنا أن هذا التيار الحزبي لم يخل من هيكلية تنظيمية أيضا. بل يمكن القول بأن التيار الحزبي الأربكاني كان مصداقا للتحول نحو التنظيم في الحركة النقشبندية التركية. فقد توصلت الحركة النقشبندية التركية في فترة ما إلى أن تعمل تحت مظلة الدولة بكل ما تتضمنه الدولة من مفاهيم ومواصفات.
ولكن هذا لا يعني أنها تحولت إلى حركة قومية داخلية بالشكل الذي نعرفه، بل كان التيار التابع لأربكان يتعرض لكثير من التهم بسبب أنشطته الدولية.
وفيما يتعلق بحزب العدالة والتنمية أعتقد أننا نبالغ في رسم خريطة أيديولوجية لحزب العدالة والتنمية. فهذا الحزب أثبت منذ البداية أنه حزب براغماتي وهو عبارة عن سوبر ماركت سياسي.