نص المحاضرة التي ألقاها حميد عظيمي مدير وحدة دراسات الجزيرة بمعهد مرصاد في ندوة الحركة الاسلامية المعاصرة، الإشكاليات والعوائق فكرا وتنظيما وتحزبا. أقيمت هذه الندوة في مدينة قم برعاية مركز دراسات الحضارة التوحيدية والمعهد العالي للعلوم والثقافة الإسلامية وشارك فيه عدة من أبرز الباحثين والمفكرين من إيران ومصر وفلسطين.
.
بسم الله الرحمن الرحیم
.
المحاضرة المعزم إلقاؤها باذن الله حول الاقتصاد السياسي لحركة الاخوان وتداعياته على العلاقات الايرانية الخليجية
.
بشكل طبيعي هناك شيء من التحفظ والحساسية حول مثل هذه الموضوعات. كل حركة ذات طابع ايديولوجي وديني لديها احتراز اخلاقي على الاقل، ان لم يكن تحفظات امنية، خصوص قضية تمويلها وهذا مما يودي الي تعقيد اكثر في المسألة. مع كل هذا أعتقد أنا في الوضع الراهن نحتاج الى فهم مصداقي وشامل عن جذور الصراع في المنطقة وذلك لن يحصل الا بإعتداد المتغيرات الاقتصادية في المعادلات السياسية الموجودة.
في هذا السياق أود أن ألفت انتباهكم الكريم إلی النقاط التالية:
مقدمة، ليس من الممكن لاي حركة سياسية أن تصل الى أهدافه الا بإمتلاك الإمكانيات المالية اللازمة للتقدم نحو الاهداف. حتى النهضة النبوية يجب أن يجد خديجتها! كذلك لايمكن أن نتصور إنتصار الثورة الإيرانية بقيادة المرجعية الدينية التي تمثلت في الإمام الخميني حتى يؤخذ دور الوجوهات الدينية الموجهة الى قم والنجف بعين الإعتبار. فيمكن للباحث أن يلاحظ الدور الذي لعبه الشيخ نصر الله خلخالي في تقدم الثورة کنموذج.
هناك فرق دقيق بين موضوع التمويل وموضوع الاقتصاد السياسي للحركات الاسلامية. في الحقيقة عدم التفكيك بين هذين الموضوعين في أوساط المحللين وصناع القرار الايرانيين كان هو السبب الاساس بالنسبة لي في طرح هذا الموضوع. والعجيب أن هذا الخلط كان يحدث في فترة كان الاخوان المسلمون مسلَّطون على دولة باكملها، فكيف بزمن تراجع الإخوان الى مستوى منظمة تحت القمع والملاحقة.
الحقيقه اننا كنا نسمع هنا عن لقائات مبكرة للمسئولين الكبار أبدَوا فيها استعداد الطرف الايراني لإعطاء مساعدات كبيرة لدولة الرئيس المرسي ولكن فوجئوا بالرفض التام من الطرف المصري. المفاجئة لم يكن من جهة حدة هذه الرفض فقط بل كما يروي الوزير الخارجية حينذاك، علمت إيران بأن الاقتراحات ما لبثت حتى قُدّمت للسعوديين والقطريين كورقة لجلب دعم اكثر على تعبير الدكتور صالحي.
أنا شخصيا لا أميل الی تحليل مثل هذه التصرفات في إطار معياري أو نورماتيو ولكن أحاول أن اواجه هذه الظاهرة بأسلوب تفسيري أو اينتبربرتيو بمصطلح فبري. فهنا أنتقل الى مقدمة نظرية لتفسير قرارات دولة الإخوان.
النقطة الأولى. نحن هنا نتكلم عن الاقتصاد السياسي لتنظيم سياسي ودعوي وليس دولة قومية أو قطرية. فتنظيم الإخوان شيء والجهاز الحكومي التي كان الاخوان يتحكمون عليها في زمن ما أو في مكان ما شيء آخر. الحديث عن الاقتصاد السياسي خارج اطار الدولي أو وحدة من الدولة_الشعب أعني نيشن استيت لا يخلو من الغرابة. لأن الاقتصاد السياسي ليس الا تصرفات موسسة ذات السيادة على القوة والعنف في المجال الاقتصادي. فتنظيم يصف نفسه كجماعة مدنية كيف يمكن أن نعتبر له اقتصاد سياسي؟ الجواب سيكون مفهوما بالنظر الی آلية البيعة التنظيمية.
البيعة كعقد شرعي يؤتي للتنظيم إمكانية اكتساب نوعا من القوة التي بإمتلاكها يساق جوهرة المؤسسات المدنية الى الكيانات الحكومية وبذلك يمكن أن نسمي مثل هذه المنظمات بالشبه الدولة. لو نفترض کما هو یبدو من ظاهر حال جماعة الاخوان، أنه ليس لدى الجماعة وسيلة لفرض قراراتها على الاعضاء بالقوة ومعاقبة المتمردين بالعنف، فيكفي لإعتبار التنظيم كشبه الدولة بانه يمتلك قوة العقوبة بالعزل الإجتماعي والضغط الاقتصادي على الأعضا، بل على دوائر أوسع.
النقطة الثانية. الدول واشباهها كفاعلين اقتصاديين لها سلوك اقتصادي مختلف عن الشرکات ومثلها. الهدف من التصرفات الاقتصادية لشبه الدولة هو اكتساب القوة تحديدا فهي محدودة في أين ما يمكن مبادلة القوة مع الثروة. فالمشكلة الكبرى للمنظمات الشبه الدولية يظهر هنا. لأنه ليس كل ثروة يمكن أن تقايض بالقدرة ويجيء التمكين وكذلك ليست كل انواع القدرة متساوية السيولة حتى يبدل بالنقد عند اللزوم.
كما نرى أن الشركات الاقتصادية مهما يكون کبر حجمهم وراس مالهم لایقدرون على أن يجعلوا الجماهیر متبعين ومنقادين. لأنهم بالتاكيد لايرغبون في تحجيم عدد موظفيهم لان ذلک يؤدي لتحجيم النفقات كما هو واضح. ولكن في المقابل، الرغبة في توظيف عدد اكبر من العمال هو سمة مشتركة بين الدول بمختلف نماذجها وليس فقط في الدولة الريعية أو الدولة الأيديولوجية. يعني حتى في الدولة اليبرالية التي هي أخف نماذج الدولة في التبني علي تركيز القوة، هناك فئات المصالح أو اينترست كروبز التي يلعبون دورا مشابها في إستخدام جهاز الدولة في توظيف العمال بغية اكتساب القوة.
ويمكن أن نقول أن الوسيطة الرئيسية أو البورصة لمبادلة القوة والثروة هو تواجد ساحة لتقديم الخدمات. وبتكوين مثلث القدرة والخدمة والثروة، الاقتصاد السياسي سينجم. نقتصر على هذه الجهة وان كانت هناك وجوه أخرى يمكن أن تؤثر في تكوين الاقتصاد السياسي. نحاول لتطبيق هذه النظرية على حركة الاخوان المسلمين لنستنبط نتائجها في علاقاتها مع المحورين السعودية والإيرانية.
فهنا نرجع الى الاشكالية المطروحة في بدء الكلام. ماذا يمنع الإخوان المسلمين من الترحيب بالدعم الاقتصادي المقدّم من جهة الجمهورية الاسلامية؟ اعتقد أنه في الحقيقة يرجع الى ما ذكرته من المحدوديات التي يعانيها النقد الإيراني في التبديل الى القوة التي لايحصل الا مع تواجد ساحة للخدمات.
أين يتمثل هذه الساحة للإخوان السلمين؟ اينما يوجد كثافة سكانية للأعضاء والمنتمين للجماعة. يعني ببساطة لو نتصور أن واحد في المئة فقط من خمس ملايين مصري الذين يقيمون في الدول الخليجية ينتمون الى الجماعة سيكون ذلک شيئا يشبه الشركات العملاقة كغاز بروم للروسيا أو امازون في الولايات المتحدة من حيث كثرة العمال. هذه الحقيقة يعني أن رأس المال التنظيمي للجماعة في الدول الخليجية يشكل أصول إستراتيجية بالنسبة اليها لايمكن التخلى عنها أو يوجهها للخطر.
الحقيقة التالية بالنسبة الى اعتماد الاقتصاد السياسي للجماعة في الحالة الخليجية أن المجمع الإخواني في الخليج ليس فقط ساحة واسعة للتجنيد والتوسع بواسطة الموسسات الخدماتية بل ركن رئيسي في تجميع الموارد المالية من المنتمين الأغنياء. فهناك تقارير تشير الى أن الفرع السعودي للجماعة مع كل التضييقات التي فرضتها المملكة على التنظيم يوفر أضخم الموارد المالية للجماعة. فمجاملة العائلة السعودية في انتقال هذا الأموال دوما يتكون مزية خطيرة للمملكة في نظرة الجماعة قياسا للمساندات الإيرانية.
لاتقف القضية هنا بل لإعتماد الجماعة على أصولها الخليجية بعد أخر وهو دور قواعدها الخليجية في عملية غسيل الأموال. مع أن تصنيف الإخوان كجماعة ارهابية بشكل واسع وعالمي ليس ظاهرة قديمة ولكن جوهر فعاليات الجماعة وعلاقاتها بالجماعات المسلحة بما فيها حركة حماس وكذلك علاقاتها المتقلبة مع السلطة في مصر وبعض الدول العربية يقتضي الإحتياط في إفشاء مصادره المالية. ليس مثلا من الصعب أن نتصور مخاوف الجماعة عندما نذكر ما حدث في قضية بنك التقوى التي يقول الاستاذ يوسف ندا أنه شخصيا تضرر فيه خمسين وثلاث مئة مليون دولار.
عملية غسيل الأموال هي ما يربط بين المجتمع الإخواني في الخليج ومجتمع آخر يعد اصلا حيويا بالنسبة لها والأهمية وهو الإخوان في الغرب الذي يشكل الركن الأخر في التمويل وجميع مشروعات الجماعة بصفة عامة. اليوم نحن نعلم أن الضعف المعلوماتي في الجهاز المصرفي والمالي في الدول الخليجة وخصوصا في الدبي والكويت كان ومايزال الشريان الرئيسي لحركة أموال الجماعة بين البلاد وبناء على هذا الجماعة سيلاحظ المحافظة على هذه البنية في أي قرار تتخذه تجاه الدول الخليجية.
والسلام عليكم ورحمة الله